للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ... (٣٧) أخبر أنه إذا أراد هداية أحدكم لم يملك أحد إضلاله، وإذا أراد إضلال أحد لم يقدر أحد على هدايته، ذكر في الدِّين أن لا أحد يملك دفع ما أراد من هدى أو ضلال، ولا منعه على ذلك؛ على ما ذكر في الرزق وأسباب العيش، وعلى ما ذكر في الأنفس وحفظها؛ حيث قال: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ)، وقال في الأنفس: (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ)، وقد اجتمعوا في ذلك في الرزق والعيش وضرر الأنفس وحفظها أن لا أحد يملك دفع ما أراد هو، فعلى ذلك في الدِّين؛ لأن الذكر خرج في الكل على مخرج واحد، وذلك على المعتزلة لقولهم: إن اللَّه - تعالى - قد أراد هداية كل أحد، ونصر كل ولي، لكن غيره منعه عن ذلك؛ فهو [وخش] من القول سمج، وبالله العصمة والنجاة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) هو على الإيجاب والتقرير؛ أي: يعلمون أنه عزيز ذو انتقام؛ أي: عزيز لا يعجزه شيء، ذو انتقام لأوليائه من أعدائه.

وقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قد علموا أن لا خالق سواه، وعرفوا أنه لا يملك أحد سواه كشف ما أراد هو من الضرر بأحد، ولا إمساك ما أراد من الرحمة بأحد؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم، ولم يفزعوا إلى من عبدوهم من دونه من الأصنام، ولا إلى أحد من الخالقين؛ دل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك به ينال من خير أو غيره؛ ولذلك فزعوا إليه عند نزول البلاء بهم، ولم يفزعوا إلى من عبدوهم من دونه من الأصنام، احتج عليهم بما احتج، ولو لم يكونوا علموا بذلك لم يكن ليحتج عليهم بذلك، وهم لذلك منكرون، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) في قوله: (حَسْبِيَ اللَّهُ) ما ذكرنا من اللطف والدلالة على إثبات الرسالة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: على الإياس منهم أنهم لا يؤمنون ولا يجيبون إلى ما دعوا إليه بعد ما أقيم عليهم الحجج والبراهين؛ كأنه يقول: اثبتوا أنتم على دينكم واعملوا له، ونثبت نحن على ديننا ونعمل له، فسوف تعلمون أينا على الحق نحن أو أنتم؟ وهو كقوله: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، أي: لا أدين أنا بدينكم، ولا أنتم تدينون بديننا، ولكن يلزم كل منا

<<  <  ج: ص:  >  >>