للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... (٧)

قد ذكرنا في غير موضع أن التسبيح بحمد ربهم هو الثناء عليه، والحمد له بالتبرئة والتنزيه عن جميع أوصاف الخلق ومعانيهم، وعن جميع ما قال الملاحدة فيه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا).

هذه أرجى آية للمؤمنين، والآيات التي فيها استغفار الرسل للمؤمنين من نحو قول نوح - عليه السلام - حيث قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وقول إبراهيم - عليه السلام -: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)، وما أمر اللَّه رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يستغفر لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات إنما هو في الذنوب التي ليس له أن يعذبهم عليها، وهي الصغائر، وليس له أن يغفر الكبائر، ويستدل على ذلك بقوله: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ)، إنما أمره أن يستغفر للذي تاب، فأما من لم يتب، ولم يأمره بالاستغفار، فيجب القول بما قلنا؛ عملا بالآيتين.

لكن نقول نحن: إنه لو كان استغفاره لمن ذكر خاصة لأصحاب الصغائر على ما قالوا، يصير كأنه أمر النبي - عليه السلام - أن يستغفر لهم، ولا يحزن عليهم؛ إذ هم مغفور ذنبهم؛ فيحصل قولهم على ما ذكرنا، وذلك وخش من القول، واللَّه أعلم.

ثم يجيء أن يكون المعتزلة والخوارج في الظاهر أبعد الخلائق من المعاصي وأقربهم إلى الطاعات، ونحن أقرب الخلائق إلى المعاصي وأبعدهم عن الطاعات؛ لأنهم لا يرون النجاة إلا بأعمالهم ولا يرون برحمة اللَّه، ولا بشفاعة أحد، ولكن بأعمالهم؛ فيجب أن يكونوا أبداً متكلين ملازمين على الطاعات في كل وقت وساعة، لا يعصون اللَّه طرفة عين، ونحن لم نر النجاة بالأعمال، ولكن إنما نرى ذلك برحمة اللَّه تعالى، وبشفاعة من ارتضى بشفاعته؛ فيجب أن نكون معتمدين على رحمة اللَّه وفضله غير مشتغلين بشيء من الطاعات.

ثم في الحقيقة يجب أن يكونوا هم أقرب الخلائق إلى المعاصي وأبعدهم من الطاعات، ونحن ألزم الخلائق بالطاعات وأبعدهم من المعاصي؛ لأنا نرى عند الله

<<  <  ج: ص:  >  >>