للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في المواعظ إذا انتهت غايتها وبلغت نهايتها، فلما تنجع فيهم؛ وهو كقوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وقوله تعالى: (لِي عَمَلِى وَلَكُم عَمَلُكُمْ. . .) الآية.

ثم فسر ما يدعون إليه وما يدعوهم إليه من النجاة حيث قال: (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢).

هذا منه تفسير ما دعاهم إلى النجاة وبيان ما يدعونه إلى الهلاك.

ثم قوله: (وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) قد يستعمل قوله: (مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) في نفي العلم، أي: ليس ذلك، وذلك في إثبات العلم بخلافه وضده؛ يقول: وأشرك به ما ليس لي به علم ولا كان من الشريك وغيره، أو يقول: تدعونني لأكفر باللَّه وأشرك به ما ليس لكم به علم، واللَّه أعلم.

ثم بين عجز ما يعبدون من الأصنام وغيرها، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٤٣).

(لَا جَرَمَ)، أي: حقًّا؛ يقول - واللَّه أعلم -: بحق أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة، أي: لم تدعكم إلى عبادة نفسها، أي: الأصنام التي عبدوها، والأول أشبه؛ لأنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام؛ رجاء أن تشفع لهم، فأخبر أنها لا تشفع بقوله: (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ)، أي: شفاعة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ).

يقول - واللَّه أعلم -: إن مرجعنا إلى ما أعد اللَّه لنا، أعد لكم النار، وأعد لي الجنة، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) والمقتصدين من أصحاب الجنة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)

أي: ستذكرون إذا عاينتم ما أعدّ لكم وأعد لنا: أن ما كنتم عليه ودعوتموني إليه دعاءٌ إلى الهلاك، وما دعوتكم إليه هو دعاءٌ إلى الجنة.

أو يقول: ستذكرون ما نصحت بدعائي إياكم إلى ما به نجاتكم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ)، هذا يخرج على وجوه:

أحدها: كأنهم خوفوه وأوعدوه بأنواع الوعيد والتخويف، فقال عند ذلك: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ)، وأتوكل عليه، فيحفظني ويدفع عني شركم وما تقصدون بي، واللَّه أعلم.

والثاني: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) أي: عليه أتوكل، وأَكِلُ في جميع الأمور من الخيرات والشرور، وهو الكافي لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>