للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يفعلون ذلك، إنما العز والشرف في طاعة اللَّه تعالى واتباع أمره، ليس في اتباع من اتبعهم ولا في ائتمار من ائتمرهم، ولكن فيما ذكرنا، واللَّه أعلم.

ثم أخبر أنهم ليسوا ببالغين إلى ما قصدوا من إطفاء النور الذي أعطى المؤمنين، ولا إدحاض الحق وإبطاله حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)، وقوله: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

قال عامة أهل التأويل: أمره أن يستعيذ باللَّه من فتنة الدجال، لكن عندنا: أمره أن يتعوذ باللَّه من مكائد أُولَئِكَ الأكابر والفراعنة، قد هموا أن يمكروا به ويكيدوا، أمره أن يتعوذ باللَّه من مكرهم وكيدهم، كما أمره أن يتعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، حيث قال: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. . .) الآية، وهذا أولى من الأول، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)

قال أهل التأويل: أي: لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الدجال، لكن قد ذكرنا بعد صرف الآية إلى الدجال.

ثم يحتمل قوله: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وجهين:

أحدهما: الآية نزلت في مقرين بخلق السماء والأرض، منكرين بالبعث؛ يقول: إن خلق السماوات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير أكبر وأعظم من إعادة الناس، فإذا عرفتم أنه قدر على خلق السماوات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير، لكان قدرته على إعادة الخلق أحق؛ إذ إعادة الشيء في عقولكم أهون من البداية؛ كقوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، فكيف أنكرتم قدرته على البعث وقد أقررتم بقدرته على خلق ما ذكر؟!

والثاني: أن تكون الآية نزلت في مقرين بخلق الناس منكرين بخلق السماوات والأرض؛ يقول: إن خلق السماوات والأرض وإمساكها في الهواء بلا تعليق من الأعلى ولا عماد من الأسفل، مع غلظها وكثافتها أكبر وأعظم في الدلالة على حدثها وخلقها من خلق الناس؛ لأن خلق الناس إنما يكون بالتغير والتولد من حال إلى الحال الأخرى، فيجوز أن يتوهم كون ذلك وافتراقه ثم اجتماعه من بعد وظهور ذلك منه، وأمَّا السماء فهي على حالة واحدة فلا [يتمكن] توهم ذلك لما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>