للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: أمرت أن أجعل الخلق وكل شيء لله سالمًا خالصًا لا أشرك فيه غيره، والله الموفق.

وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) بذكرهم الوجوه التي بها يوصل إلى معرفة شكر ما أنعم عليهم؛ قال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) أي: خلق أصلكم من تراب، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي: خلقكم من نطفة، يذكرهم هذا؛ ليعلم خلقه إياهم من تراب - أعني: خلق أصلهم ليس باستعانة منه بذلك التراب؛ لأنه لو كان على الاستعانة منه، لكان لا معنى لخلق أنفسهم من الماء على الصورة التي جعلهم من تراب وعلى جنسه؛ إذ ليس في الماء من آثار التراب شيء، ولا في الماء والنطفة من آثار العلقة شيء، ولا في العلقة من آثار الطفولية شيء من اللحم والعظم والجلد والشعر وغير ذلك، ليس في التراب معنى الماء ولا في الماء معنى التراب، ولو كان على الاستعانة بذلك لكان المخلوق من أحدهما لا يكون مثل المخلوق من الآخر في تركيبه وتصويره، وهما يختلفان في أنفسهما، وكذلك ما ذكر من تقلبه من حال إلى حال وتبديله من نوع إلى نوع، وليس في كل حال يقلب إليها من الحال التي كانت شيء ولا من شبهها؛ ليعلم أن كل ذلك إنما كان بقدرة ذاتية وعلم ذاتي وتدبير ذاتي كذلك، لا باستعانة شيء مما ذكر ولا سبب له في ذلك، ولكن كان بمعنى جعل فيه كان ذلك كذلك بوجود ذلك المعنى، واللَّه أعلم.

وقولهَ عزوجل -: (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي: تبلغوا حتى يشتد كل شيء منكم من البينة والعقل وغير ذلك.

وقوله: (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ).

أي: منكم من يتوفى من قبل أن يبلغ شيخًا.

وقوله: (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى).

أي: لتبلغوا الأجل الذي جعل لكم.

وقوله: (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ):

ما بين لكم وذكر لكم.

وقوله: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨)

أي: وهو الذي يخلق حياة كل شيء ويخلق موت كل شيء، وعلى قول المعتزلة: يجوز أن يسمى كل عبد: محييا مميتًا؛ لقولهم: إن القتيل ليس بميت بأجله، بل ميتة القاتل، وقولهم: إن المتولدات من الفعل هي فعل ذلك الفاعل؛ فعلى قولهم هذا يجوز تسمية كل أحد: محييًا مميتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>