للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالعدل فيما بينهم، أعني: الخلق.

وجائز أن يكون قوله: (بِالْحَقِّ) أي: بالصدق بما فيه من الأنباء والأخبار (وَالْمِيزَانَ) أي: بالعدل في الأحكام؛ جعل الميزان كناية عن العدل؛ أي: هو طريق العدل وسببه، وهو كقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)، وقوله - تعالى -: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)، وقوله - تعالى -: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا)، وقوله: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) أي: صدقا فيما فيه من النبأ والخبر، وعدلا في الحكم فيما بينهم، واللَّه أعلم.

ثم قوله - تعالى - (وَالْمِيزَانَ) يحتمل أن يكون على الكتاب، وهو الظاهر، والمراد منه العدل؛ فيصير تقدير الآية - واللَّه أعلم -: اللَّه الذي أنزل الكتاب بالحق، وأنزل العدل فيما بين الخلق، أو أنزل العدل في الأحكام.

ويحتمل أن يكون عطفًا على الحق؛ فيصير تقديره: أنزل الكتاب بالحق وبالعدل في الأحكام فيما بينهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: [(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)]، لم يطلع اللَّه - جل وعلا - أحدًا على العلم بوقت الساعة؛ على ما ذكرنا في غير موضع.

وقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ... (١٨) كان استعجالهم بها استهزاء منهم وتكذيبًا لها أنها كائنة؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يوعدهم بها، ويخبر أنها كائنة، فكانوا يستعجلون استعجال تكذيب لها.

وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ)؛ لأن لأهل الإيمان والتوحيد زلات ومساوئ لم يتبين لهم التجاوز عنها والعفو منها؛ فيكونوا أبدًا خائفين مشفقين لتلك الزلات والمساوئ وما يكون فيها من الأهوال والأفزاع، فأمَّا أهل الكفر فهم لا يؤمنون بها، ولا يصدقون أنها كائنة؛ فلا يخافونها وما فيها من الأهوال.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ): قوله: (يُمَارُونَ) يحتمل يجادلون ويخاصمون فيها أنها ليست بكائنة.

ويحتمل: (يُمَارُونَ) من المرية، وهو الريب والشك؛ أي: يشكون فيها.

ودل قوله: (لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ): أنهم لا يؤمنون أبدًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) من الناس من قال: إن الآية وإن جاءت مجيئًا عامًّا فهي خاصة للمؤمنين، هو لطيف؛ أي: بار للمؤمنين بها.

ومنهم من يقول: إن الآية للفريقين جميعًا: للكافر والمؤمن، بار بهما، لطيف بهما بما يرزقهم جميعًا: الكافر والمؤمن، فأما في الآخرة فهو رحيم بار بالمؤمنين خاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>