للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للإيصال؛ على ما هو الأصل في مثل هذا، وله نظائر كثيرة.

وأصل تأويل (تَبَارَكَ): ما قاله أهل التأويل: تعالى وتعاظم عن جميع ما قالت الملاحدة فيه مما لا يليق به من الولد، والشريك، وغير ذلك، لكن هو على التأويل، لا على تحقيق الاسم، فنظيره ما فسروا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " وتعالى جدُّك " أي: عظمتك، والجد هو في الحقيقة ليس هو اسم العظمة، ولكن هو خروج الأمر على ما يريد ويشاء، ويسميه الناس فيما بينهم بالفارسية: بختا، فسروا الجد بالعظمة؛ لنفاذ مشيئة العظيم، وخروج الأمور على ما يريده ويشاؤه، فعلى ذلك تفسيرهم (تَبَارَكَ) بما قالوا: تعالى وتعاظم على التأويل، لا على تحقيق الاسم؛ إذ هو من البركة، لكن كل من بورك فيه صار متعاليًا، فأطلقوا عليه (تَبَارَكَ) بمعنى: تعالى، لا بمعنى حقيقة الاسم، واللَّه أعلم.

ثم قوله: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) بيان منه وتعليم للخلق ما يجوز النسبة له فقال: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وقال: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ونحو ذلك، يبين لهم أن ينسبوا إليه هذا، ولا ينسبوا إليه من الولد، والشريك، والصاحبة ونحو ذلك؛ لأن نسبة الأشياء بكليتها يخرج مخرج الوصف له بالعظمة والجلال، نحو ما ذكرنا من قوله - تعالى -: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وقوله: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وقوله: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقوله: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، ونسبة خاصية الأشياء إليه يخرج مخرج التعظيم والتبجيل لتلك الأشياء، ثم ينظر بعد هذا: فإن كانت تلك الأشياء الخاصة مما يجوز تعظيمها نسبت إليه وأضيفت، نحو قوله: بيت اللَّه، ومساجد اللَّه، ورسول اللَّه، وغير ذلك من الأشياء التي عظمها اللَّه - تعالى - ورفع قدرها ومنزلتها عنده، وإن كانت الأشياء مما يستقذر ويستقبح ويسترذل فلا يجوز النسبة إليه والإضافة؛ لما ذكرنا أن نسبتها إليه وإضافتها يخرج مخرج التعظيم لها، وهي ليست بمعظمة، ولكنها مسترذلة مستقذرة؛ فيكون وضع الشيء غير موضعه، وأنه خلاف الحكمة، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يخرج على وجوه:

أحدها: أي: عنده علم ساعة: الصعقة؛ كقوله - تعالى -: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. . .) الآية.

ويحتمل (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ): الزلزلة؛ كقوله: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).

ويحتمل: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ): الفزع والهول؛ كقوله: (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ. . .).

<<  <  ج: ص:  >  >>