للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأهلها يتجرون ويكتسبون بها الربح في الآخرة، وأنه إنما أنشأ الدنيا للآخرة، لا أنه أنشأها لنفسها؛ ولذلك قال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الآية، وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)، ونحوه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) يحتمل أن يكون ما ذكر من الجثو للركب في الآخرة تعريف لهم وإنباء أنهم يختصمون يوم القيامة جاثين للركب، كما يختصم في الدنيا عند الحكام والأمراء جاثين للركب، واللَّه أعلم.

ويحتمل أن يذكر جثوهم؛ لما لا تقوم بهم الأقدام، أو لا تحملهم؛ لهول ذلك اليوم والخوف فيها؛ فيكونون جاثين للركب ويقومون بها، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) يحتمل: (كِتَابِهَا): كتاب كل في نفسه، وهو كقوله - تعالى -: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)، وقوله - تعالى -: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، و (أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) ونحوه.

ويحتمل أن يكون قوله: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) الذي دعيت كل أمة إليه في الدنيا؛ من نحو القرآن، ونحوه؛ فيقال: يا أهل الإنجيل، يا أهل التوراة، ونحو ذلك، والله أعلم.

ويحتمل أن يكون (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) أي: إلى حسابها الذي عملت في الدنيا؛ تفسير ذلك ما ذكر: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ... (٢٩) يحتمل الكتاب الذي أضاف إلى نفسه هو القرآن الذي كان ينطق لهم بالحق؛ أي: بالحق الذي لله عليهم، وما لبعضهم على بعض.

أو (بِالْحَقِّ) أي: بالصدق بأنه من اللَّه - تعالى - واللَّه أعلم.

ويحتمل أن يكون ذلك الكتاب هو الكتاب الذي يكون لكلٍّ بالانفراد للذي كتبته له الملائكة مما عملوا من خير أو شر، وهو كقوله - تعالى -: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) اختلف في تأويله:

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الحفظة تكتب أعمال بني آدم ثم يعارضون ذلك بما في اللوح المحفوظ المكتوب فيه: أن فلانًا يعمل كذا وكذا، فلا يؤيد شيء ولا ينقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>