للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل أن يكون ذلك وصف بعضهم دون بعض، أو وصف عامتهم، فأما الكل فلا، وذلك نحو ما روي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال: لولا قوله - تعالى -: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا)، ما كنا نعرف أحدًا من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يريد الدنيا، فإنما يكون ذلك وصف أمثال عبد اللَّه بن مسعود، رضي الله عنه.

ثم قد جعل اللَّه - تعالى - الرحمة والرأفة نعتًا للمؤمنين، يتراحم بعضهم بعضًا، وكذلك روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا " قالوا: كلنا نتراحم ولده، فقال: " ليس ذلك برحمة، إنما الرحمة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولولده "، أو كلام نحوه.

وروي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " المؤمنون كلهم كرجل واحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى "، وليس فيما وصفهم بالشدة على الكفار دليل على أن ليس لهم شفقة عليهم، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - له شفقة عظيمة عليهم، حتى كادت تهلك نفسه، لذلك قال اللَّه - تعالى -: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، وقال: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، فعلى ذلك أصحابه، رضوان اللَّه عليهم أجمعين.

ثم القتال الموضوع فيما بينهم رحمة في الحقيقة، وإن كان في الظاهر ليس برحمة؛ لأنه وضع ليضطرهم ذلك إلى قبول الإسلام والتوحيد، وفي قبولهم ذلك نجاتهم، وما وصفهم بالرحمة على المؤمنين، ليس فيه أنهم ليسوا بأشداء عليهم إذا عاينوا منهم المناكير والفواحش حتى يتركوا التغيير عليهم؛ بل من الشفقة لهم عليهم ما يغيرون عليهم المنكر؛ إذ في ذلك نجاتهم، وذلك لا يزيل عنهم الرحمة التي وصفهم بها؛ بل ذلك من الشفقة لهم والرحمة، واللَّه أعلم.

ثم نعتهم وقال: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) أن يحتمل وجهين:

أحدهما: وصف لهم بالمداومة في إقامة الصلوات بالجماعات، وأراد بالركوع والسجود: هو الصلاة على طريق الكناية.

والثاني: عبارة عن الخضوع لربهم، والتواضع للمؤمنين، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) يحتمل قوله: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>