للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)، أي: من إعياء وتعب ونصب، وفيه نقض قول اليهود -لعنهم اللَّه- صراحًا، ونفي إيهام المشبهة في قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، ويتبين المراد من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أما نقض قول اليهود - لعنهم اللَّه - فإنهم يقولون: خلق اللَّه السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استراح في يوم السبت، وهم يتركون العمل يوم السبت لهذا، فاللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أخبر أنه لم يمسه بخلق ما ذكر إعياء ولا لغوب على ما زعمت اليهود - لعنهم اللَّه - فيكون ردًّا لقولهم صريحا.

وأما نفي إيهام المشبهة؛ فإنهم توهموا أن قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) على إثر خلق السماوات والأرض وما بينهما في آية أخرى: أن ذلك للراحة، فشبهوا اللَّه تعالى بالخلق: أنهم إذا فرغوا من أعمال عملوها ثم استووا على شيء، إنما يستوون للراحة، فقالوا بالاستواء على العرش حقيقة، فاللَّه تعالى نفى التعب عن نفسه في خلق السماوات والأرض؛ فدل على أن استواءه ليس للراحة حتى يراد به الاستقرار، كما في الشاهد بين الخلق وَبَيَّنَ تعاليه وبراءته عما توهمت المشبهة، وشبهوه بالخلق، وتبين بذكر الاستواء على العرش بعد ذكر خلق السماوات الأرض أن المراد منه التمام، أي: تم ملكه بعد خلق السماوات والأرض وما بينهما بخلق العرش، ويذكر الاستواء ويراد به التمام، واللَّه أعلم.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: اللغوب: الإعياء، يقال: لغب يلغب لغوبا فهو لاغب.

وأصله ما ذكرنا: أن خلق اللَّه تعالى الأشياء لا لمنفعة له أو حاجة تقع له، ولا بالآلات، والأسباب التي بها يقع التعب والإعياء في الشاهد؛ إذ الإعياء إنما يلحق من فعله الحركة والانتقال والسكون، فأما اللَّه تعالى إنما يخلق الأشياء بقوله: كن، ولا يلحقه شيء من ذلك، وهو قادر بذاته، فاعل لا بآلة وسبب؛ فأنى يقع له الإعياء والتعب، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ... (٣٩) أي: فاصبر على ما يقولون فيك: إنك ساحر، وشاعر، ومجنون، ونحوه، فأمره بالصبر على ذلك، وألا يدعو عليهم بالهلاك.

ويحتمل: فاصبر على ما يقولون في اللَّه من معاني الخلق، فلا تحاربهم، ولا تقاتلهم، ولا تدعو عليهم بالهلاك، ولكن اصبر؛ فإن اللَّه تعالى ينتقم منهم لك.

وإنما أمره بالصبر؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان سريع الغضب لله تعالى فيما عاين من المناكير وسمع، وكذلك جميع الأنبياء - عليهم السلام - لذلك أمره بالصبر فيما يقولون في اللَّه أو فيه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>