للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما ربحت تجارتهم؛ بل خسرت؛ فعلى ذلك جائز قوله: (فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) بل بمحمود، واللَّه أعلم.

وقال أبو بكر الأصم: (فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ)؛ لأنه قد بلغ الرسالة، وما أمر بتبليغه إلى الخلق، وقام بأمره ونصح خلقه، وخفض جناحه لهم، فكيف يلام؟! أي: ما أنت بالذي تلام على صنيعك وعلى فعلك، وإن كان بعض الناس يلومك، وهم الكفار.

وفيه دلالة الحفظ والعصمة له عن الزيغ والزلات؛ إذ لو كان بالذي يحتمل الزيغ والزلة، لكان يحتمل الملامة؛ فدل أنه لا يحتمل الزيغ والعدول عن الحق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥).

جائز أن يكون الأمر بالتذكير للكل، ثم أخبر أن الذكرى تنفع المؤمنين، لا الكل.

وجائز: فذكر المؤمنين؛ فإن منفعة الذكرى لهم، ولمن أنصف، دون المكابرين المعاندين، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

إن كان المراد من ذكر العبادة: حقيقة العبادة فيخرج تأويله على وجهين:

أحدهما: جوابا لمن لا يرى الجن والإنس يؤمرون بالعبادة ويمتحنون بها، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي: خلقهم على معرفة المحاسن والمساوئ، والتمييز بين ما يؤتى وما يتقى بما ركب فيهم من أسباب التمييز والمعرفة، لا يتركهم سدى مهملين؛ بل لامتحانهم بالعبادة، والقيام بشكر ما أنعمت عليهم من أنواع النعم؛ إذ الحكمة توجب ذلك، وتدفع تركهم سدى هملا، واللَّه أعلم.

والثاني: خرج جوابا لمن يرى العبادة دونه جائزا؛ لقولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، لم أخلقهم لعبادة غيري، أو لآمرهم بعبادتي، لا لآمرهم بعبادة غيري؛ كما قاله بعض الكفرة بقولهم: (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)؛ ردًّا ونقضا لاعتقادهم، واللَّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) على حقيقة العبادة؛ لوجهين:

أحدهما: على حقيقة فعل العبادة، وعلى هذا الوجه لم تكن الآية معمولا بها على العموم، بل على الخصوص، وهم المؤمنون من الجن والإنس دون الكفرة منهم؛ فإنه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>