للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفزع في الأحوال كلها، وللخلائق كلهم، ومنه يسألون الرزق والنجاة، وهو ما ذكر:

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. . .) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ)، وقوله: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ)، وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ)، هنا صلة قوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) يقول - واللَّه أعلم -: شأنه وأمره باق دائم أبدا، وذهاب الخلق لا يدخل نقصا في شأنه وأمره، ولا وهنا في سلطانه وملكه؛ بل هو في شأنه وأمره عند فنائهم كهو في حال بقائهم.

وجائز أن يكون ما قال بعض أهل التأويل: إن اليهود قالت: إن اللَّه تعالى استراح يوم السبت لا يقضي بشيء، ولا يحكم ولا يأمر، ولا يفعل فعلا؛ فنزلت الآية عند ذلك (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) من إحداث لإفناء، وإحياء وإماتة.

وأصله: أن اللَّه تعالى إذا وصف بشيء يوصف بالأزل، يقال: عالم لم يزل، قادر لم يزل، رازق بذاته لم يزل، وإذا ذكر بأمر وتدبير مضاف إلى الخلق يوصف على ذكر الوقت؛ فيكون الوقت للخلق لا له، نحو أن يقال: إن اللَّه تعالى لم يزل عالما بجلوسك هاهنا، أو في هذا الوقت؛ أي: لم يزل عالما أنه يجلس الآن، أو يجيء الآن، أو في هذا الوقت، وإذا وصفته بالماضي، قلت: لم يزل عالما بما كان، وبالمستقبل: لم يزل عالما بما يكون أنه يكون في وقت كذا، وللحال: لم يزل عالما بكونه كائنا للحال، ونحو ذلك، نفيا لوهم الخلق: أن المخلوق كيف يكون في الأزل؟! فعلى ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ذكر اليوم والوقت؛ لئلا يتوهم بكون الخلق قديما، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١) قرئ: (سَنَفْرُغُ) بالنون والياء، وبرفع الراء في الحالين.

قال أبو عبيد: بالياء يقرؤها كقوله تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ذكر على المغايبة، فكذلك هذا الذي قرئ عليه.

قال الزجاج: قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) ليس هو الفراغ عن الشغل، لكن كما يقول الرجل لآخر: سأفرغ لك كذا، أي: سأجعل لك، أو كلام نحوه.

ومنهم من يقول: هذا على الوعيد في كلام العرب، يقول الرجل: سأفرغ لك، وإني لفارغ، على الوعيد.

وقال أبو بكر الكيساني: إن الفراغ ليس يستعمل عند الفراغ عن الشغل خاصة، لكن يستعمل له ولغيره من نحو: إنجاز ما وعد، وأوعد؛ كأنه قال: سننجز لكم ما أوعدتكم أيها الثقلان.

<<  <  ج: ص:  >  >>