للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالرسل جملة، آمنوا بهذا الرسول المشار إليه؛ لما يصعب الأمر، ولما يلزم في ذلك معاداة من خالفه وترك اتباعه وإن كان أقرب الخلائق إليه، وكذلك عامل أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أقاربهم وأرحامهم لما آمنوا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصار عندهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأولادهم، وعادوا جميع أقاربهم الذين خالفوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتركوا اتباعه، وفي ذلك آية عظيمة؛ ولذلك فضل إيمان من آمن في أول خروجه عن إيمان من تأخر منهم عن ذلك الوقت، ولا قوة إلا باللَّه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ): قوله: (يُؤْتِكُمْ)، أي: يوجب لكم (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي؛ أجرين: أجر الإيمان بالرسل كلهم على الإجمال، وأجر الإيمان بالرسل على الإشارة والتفصيل؛ ذكر هاهنا (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ)، وقال في آية أخرى: (يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)، يحتمل قوله: (كِفْلَيْنِ): مرتين وقوله: (مَرَّتَيْنِ): كفلين؛ فيكون أحدهما تفسيرًا للآخر.

ثم ذكر هاهنا الأجر لهم من رحمته، وذكر هنالك الأجر مطلقا؛ ليعلم أن ما ذكر لأعمالهم من الأجر إنما هو فضل منه ورحمة لا استحقاق على ما ذكرنا، واللَّه الموفق.

ثم يحتمل ما ذكر من الأجر مرتين يكون مرة في الدنيا، والأخرى في الآخرة كقوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) الآية، وقوله: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً)، واللَّه أعلم.

ويحتمل أن يكون ما ذكر من الأجر مرتين يكون وعدا في الآخرة، ويكون قوله: (مَرَّتَيْنِ) أي: كفلين، أي: ضعفين، كقوله: (يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ). ثم قوله: (كِفْلَيْنِ) قال أكثر أهل التأويل: أي: أجرين.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: حظين، ونصيبين.

وجائز أن يكون سماه: كفلا؛ لأنه كفله؛ ألا ترى أن ذا الكفل ذكر إنما سمي به؛ لأنه كان يكفل لفلان، فعلى ذلك جائز تسميته هذا كفلا؛ لأنه يكفل به، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: النور كناية عما يبصر به ويتضح، والمشي كناية عن الأمور، يقول - والله أعلم -: يجعل ما تبصرون به السبيل، ويتضح لكم الأمور، ويزول عنكم الشبه؛ فيكون

<<  <  ج: ص:  >  >>