للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " إذا قال أنت عليَّ كظهر أمي "، لم تحل له حتى يكفر.

وعندنا لا تجب الكفارة بنفس الظهار، وإنما الظهار يوجب الحرمة لا غير، وإنما تجب بالعود حتى إنها إذا ماتت لا يجب عليه الكفار وإذا ارتفع المعنى الذي يجب، وهو استباحة الوطء وكذلك إذا طلقها بائنا أو ثلاثا، لا تجب الكفارة لهذا؛ حتى إذا عادت إليه بالتزوج، وأقدم على استباحة الوطء، تجب الكفارة.

وهو عند أصحابنا أن يجعل المرأة على الحالة الأولى، ويحللها على نفسه على ما كان عليه، ويستبيح وطأها، فإذا أراد أن يحللها على نفسه ويستبيحها ويقدم عليه، يجب عليه أن يكفر، ولا تزول تلك الحرمة عندنا إلا بالكفارة؛ فالتكفير سبب الحل؛ كذا ذكر العمي في تأويل: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)، أي: يعودون إلى فسخ ما قالوا ونقض ذلك، واستدل بما ذكر عن الأصمعي: أن أعرابيا تكلم بين يديه بأنه كان شيء ما ثم يعود إليه، قال له الأصمعي: ما أردت به؟ فقال: أي: أنقضه، وأفسخه؛ فهذا يدل على أن المراد من قوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ)، أي: يعودون إلى استحلال ما حرموا، وينقضون ذلك، ويردون الحل إلى الحالة الأولى، إلا أن ظاهره العود إلى القول بقوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) ولكن أراد به المقول والثابت به وهو الحرمة؛ كأنه قال: ثم يعودون لما حرموا بالقول فيستبيحونه؛ ويجوز أن يذكر الفعل ويراد به المفعول؛ كقوله - عليه السلام -: " العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه "، وإنما هو عائد في الموهوب، وقال اللَّه تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، أي: الموقن به، واللَّه أعلم.

فَإِنْ قِيلَ: العود الذي يوجب الكفارة هو العزم على استباحة الوطء، والقصد على تحليلها على نفسه وإعادة الحل إلى الحالة الأولى، أو الإقدام على الوطء أو مباشرة نفس الوطء، فإن كان المراد هو الأول، يجب أن تقولوا: تجب الكفارة بنفس العزم على الاستباحة والتحليل، كما قال مالك رحمه اللَّه، والحسن رحمه اللَّه.

وإن كان المراد إيقاع الوطء يجب أن تقولوا: إنه لا تجب الكفارة إلا بعد الوطء كما قاله قوم، وهو خلاف الآية، وخلاف قولكم.

قيل: نعني بذلك: هو الإقدام على استباحة الوطء، والاشتغال بإقامته، فيقدم التكفير، ثم يفعله؛ إذ لا يجب بمجرد العزم، ولا بعد تحقق الفعل، وهذا لأنه إذا ظاهر حرمت المرأة عليه بسبب فعله الواجب عليه توفير حقها في الجماع إن كانت بكرا في الحكم حتى يجبر عليه، وهذا وإن كانت ثيبا وقد وطئها مرة يجب عليه فيما بينه وبين اللَّه تعالى إيصال

<<  <  ج: ص:  >  >>