للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك إليها.

وعند بعض أصحابنا يجبر في الحكم أيضا على ذلك، فإذا أقدم على ذلك يجب عليه تحصيل الكفارة؛ ليتوصل إلى إقامة ذلك الواجب عليه من الجماع؛ إذ لا يحل ذلك بدون الكفارة، وهذا كالوضوء في باب الصلاة ليس بفرض مقصود بنفسه، لكن يجب لإقامة الصلاة؛ إذ لا يجوز الصلاة بدون الطهارة، فإذا أقدم على الصلاة يجب عليه تحصيل الوضوء؛ ليتمكن من أداء ما عليه، ولا يجب بنفس الإرادة، ولا يجب بنفس الحدث؛ حتى لا يجب الوضوء ما لم يدخل وقت الصلاة، ويقوم إليها، وكذلك المرأة إذا حاضت بعد الوقت حتى سقط عنها الصلاة يسقط الوضوء، فعلى ذلك هذا يجب عند الإقدام على إقامة هذا الواجب وهو الوطء، والظهار شرط؛ ولهذا إذا ماتت المرأة تسقط الكفارة؛ لانعدام ما هو المقصود بالإقدام، وهو الوطء، وكذلك إذا طلقها ثلاثا أو بائنا لكن إذا عادت إليه يلزمه الكفارة إذا أقدم على الوطء، ولم يبطل الظهار؛ لاحتمال حصول الغرض، واللَّه أعلم.

ويحتمل وجها آخر: وهو قوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ. . .) الآية هذا خبر عن ظهار القوم الذين كانوا يظاهرون في جاهليتهم، أي: ظاهروا في ذلك الوقت، ثم يعودون لما قالوا، أي: لو قالوا ذلك القول بعد إسلامهم فعليهم ما ذكره؛ إذ الظهار كان ظاهرا في الجاهلية من عاد إلى ذلك القول، ورجع إليه وقت إسلامه؛ فعليه ما ذكر، وهو كقوله تعالى: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ)، فهذا يرجع إلى فعل ذلك مرة، وإلى استحلال ما حرم اللَّه ثانيا، وإن عاد إلى الفصل الأول لا من وجه الاستحلال، فينتقم اللَّه منه بالغرامة عليه، وإن عاد إلى استحلال، فينتقم اللَّه منه بالعذاب؛ وكذلك مثل هذا في آية الربا، حيث قال: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ ... )، أي: عاد إلى ما كان يفعله قبل الإسلام، فكذلك هذا العود إلى الظهار على هذا التقرير يخرج تأويل الآية عنده، وهو كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ)، أي: كانوا يتناجون في الجاهلية، فنهاهم اللَّه تعالى عن العود إلى ما كانوا عليه؛ فعلى ذلك يحتمل هذا، واللَّه أعلم.

لكن على هذا التأويل الإقدام على الوطء سببا لوجوب الكفارة لم يثبت بهذا النص، إنما فيه أن الظهار يوجب تحريما مؤقتا بالكفارة، وكذلك الأحاديث التي ذكرنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أمر أوسا بالكفارة حين ظاهر من زوجه، وإنما يعرف من حيث الدلالة؛ فإنه لما كان التحريم مؤقتا بالكفارة، يكون رافعه له قائما، ويجب الرافع بالإقدام عليه، لا بسبب سابق

<<  <  ج: ص:  >  >>