للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ).

قيل: أي الذي افترضه اللَّه عليكم من الأحكام، وقال الزجاج (حُدُودُ اللَّهِ)، أي: موانع اللَّه تعالى؛ لذلك سمي الحاجب: حدادًا؛ لأنه يمنع الناس منه.

وعندنا قوله: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أي: زواجر اللَّه وموانعه، على معنى أنه يمنع كل شيء عن الدخول في حد الآخر يمنع الباطل عن الدخول في حد الحق والاختلاط به.

وفي الآية دلالة خلق أفعال العباد؛ لأنه أضاف الفرائض، وهي الطاعات إلى نفسه بقوله: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)، وأنها أفعال العباد؛ دل أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله - تعالى - وإنما خص هذه الأعمال بالإضافة إلى نفسه، مع أن جميع الأفعال مضافة إليه بخلقه إياها تبجيلا وتعظيمًا لها، كما قال اللَّه - تعالى -: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)، أضاف المساجد لنفسه؛ تبجيلا وتعظيمًا لها. وعلى هذا يخرج تأويل من قال في قوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا)، من نفسي؛ فكيف أظهرها لمن دونه أراد بهذه الإضافة تبجيلا وتعظيمًا لأمر الساعة؛ فكأنه يقول: إنما لم أظهر أمر الساعة لذلك الخلق الذي هو بهذه المنزلة، فكيف أظهرها لكم أي: لا أفعل ذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

أي: للكافرين باللَّه وبحدوده عذاب أليم في الآخرة؛ لأن عذاب الكفر إنما يكون في الآخرة عذابًا دائمًا لا انقضاء له، ولا قوة إلا باللَّه.

* * *

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

قال بعض أهل الأدب: المحاد هو الذي يجعل نفسه في حد غير الحد الذي أمره الله ورسوله، وكذلك قوله: يشاقون اللَّه، أي: يكونون في شق غير الشق الذي عليه رسول اللَّه، أو كلام نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>