للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه مناهم في الدنيا أمورا، وأملهم تأميلا فيما اتبعوه، فلم يصلوا إلى شيء من ذلك، وفي الآخرة بقوله: أن لا بعث ولا جنة ولا نار، ولهم فيها عذاب؛ فخسروا الدارين جميعًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠).

قيل: في الأسفلين، وقيل: في المهزومين، وقيل: في الآخرين، وقيل: هو في الآخرة؛ كقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وأما في الدنيا فربما يكونون هم الغالبين.

ومنهم من يقول: ذلك في الدارين جميعًا هم الأذلاء، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١).

أي: قضاء اللَّه لأغلبن، ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: ليغلبن مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله - تعالى -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، وفعل ذلك.

وجائز أن يكون المراد منه جملة رسله؛ كقوله - تعالى -: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، وقوله - تعالى -: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا)، ثم الغلبة قد تكون من وجهين:

أحدهما: بالحجج والبراهين، وما من رسول إلا وقد غلب على خصمائه بالحجة.

والثاني: بالقتال والحرب، وكانت العاقبة للرسل - عليهم السلام - لما لم يذكر أنه قتل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واللَّه أعلم.

وإضافة الغلبة إلى نفسه؛ على إرادة الرسل وأوليائه؛ على ما ذكرنا في غير موضع.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

قوي بذاته؛ لأنه يكون قوة من دونه، وكذلك كل من دونه بتكوينه.

أو يكون فيه بشارة لأوليائه أنه قوي عزيز بذاته: أنه ينصرهم على أعدائهم ويقهرهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢).

قال عامة أهل التأويل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة؛ لأنه كان كتب إلى أهل مكة: إن رسول اللَّه يقصد إليكم؛ فخذوا حذركم، وكان له بمكة أهل؛ فأراد أن يكون له عندهم يد، فشعر بذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال: " ما حملك على هذا؟ " فقال ما ذكرنا؛ فنزلت الآية فإن كان نزولها فيه على ما ذكروا فهي في براءته من وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>