للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخلفه فيه الخلفاء من بعده؛ فيداوله الأغنياء بينهم.

ومعنى آخر: لو فرق هذا بين الفقير والغني لكان حين يقع هذا للغني بيده كان يكتسب به فضول الدنيا، وأما الفقير فأول ما يقع في يده يستمتع به في منافع نفسه؛ فلذلك فرق في الفقراء، واللَّه أعلم.

قَالَ بَعْضُهُمْ: الدولة: هي اسم للذي يدول بين الناس، والدّولة: واحدة، وهي فعلة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

يعني: ما أعطاكم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من هذه الغنيمة فخذوه ولا تظنوا به ظنًّا مكروهًا وما نهاكم عنه فانتهوا، ليس نهي زجر وشريعة، ولكن نهي منع، وما منع منكم من هذا الفيء فانتهوا عنه.

وعلى قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)، يحمل معنى الأمر ومعنى الإعطاء، أي: ما آتاكم من الدنيا فخذوه، وما نهاكم من الدنيا عنه -يعني: زجركم عنه- فانتهوا عنه.

قال - رحمه اللَّه -: ويروى: أن عامة الفقهاء يحتجون بهذه الآية في موضع الأمر مع لفظ الإيتاء، وليس يوجب ظاهره هذا؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والتمليك، كقوله: (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، ولكن وجه الاحتجاج به: أن اللَّه - تعالى - لما أمرنا بأخذ معروفه - عليه السلام - وإن كان في أخذ المعروف من غيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خيار: فلأن يلزمنا الأخذ بأمره والاتباع له أحرى وأولى، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

هذا يؤكد ما ذكر من اتباع أمره، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨).

وما نسق عليه من قوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ. . .)، وقوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ. . .) الآيات ظاهر هذا يقتضي إيجاب حق لهم؛ لأنه إذا قيل: لفلان، لم يكن بد من أن يقال: كذا وكذا، وإذا كان كذلك لم يكن به من حق يذكر لهم، ولا يحتمل أيضًا أن يخفي اللَّه - تعالى - علم ذلك الحق الذي أوجب لهذه الأصناف عن خلقه؛ فالسبيل في ذلك من جهة التأويل عندنا، واللَّه أعلم.

ثم يحتمل أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل عن جوابه: لمن؟ قال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ).

ويحتمل أن يكون الرسول سأل ربه - جل وعلا - عن جوابه: لمن؟ فأخبر: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>