للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك قوله: (وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ).

خرج مخرج العموم في الظاهر، ولكن الذين أخرجوه إنما كانوا أهل مكة خاصة دون سائر الكفرة، فهذا يبين أن ما أجري مجرى العموم لم يجر لظاهر اللفظ، ولكن لما يوجب الحكمة والدليل. وكذلك قوله - تعالى -: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ. . .) الآية: ليس أن السعي إنما فرض يوم الجمعة لتخصيصه بالذكر؛ ولكن لما أن النداء في يوم الجمعة إلى ذكرين، وفي غيره من الأيام إلى ذكر واحد؛ ولأجل أن النداء المضيق في يوم الجمعة هو النداء الأول، وفي غيره من الأيام هو النداء الثاني، فإذا جاز أن يكون فرض السعي في يوم الجمعة إنما هو لهذين المعنيين - ثبت أن التخصيص ليس لظاهر اللفظ، واللَّه أعلم.

وفي هذه الآية دلالة رسالته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وذلك أن قوله: (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أن ذلك الرجل لم يطلع على سره أحدًا، وقد أطلع اللَّه - تعالى - نبيه؛ حيث أخبرهم بالكتاب؛ فثبت أنه علمه بالوحي، واللَّه أعلم.

ثم اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؟

فقال الحسن: إنها نزلت في أهل النفاق.

وقال غيره من عامة المفسرين: إنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وهذا أشبه التأويل بالصواب، وأقرب إلى الحق؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ): فقد أخبر أن الكفرة عدو لهم، ولو كانت الآية في أهل النفاق لم يكن الكفرة عدوًّا لهم؛ بل كانوا أولياء، فثبت أن المراد منه: المؤمنون، واللَّه أعلم.

وفي هذه الآية دلالة أن ذلك الذنب الذي ارتكبه ذلك الرجل لم يخرجه من الولاية؛ لأنه قال: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)، ولو كان ذلك الذنب يكفره ويخرجه عن الإيمان لم يكن ذلك الكافر عدوًّا له؛ بل يكون وليًّا له بقوله: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، ولأجل أنه قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): سماه: مؤمنًا، والدليل على أن ذلك الذنب كان كبيرة أنه أخبرهم بأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جهزهم للقتال، وفيما أخبر: أمر بأن يستعدوا لقتال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وحربه، ولا يشكل أن من أمر بقتال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان مرتكب كبيرة، وإذا كان كذلك، وقد أحله اللَّه - تعالى - في جملة المؤمنين بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>