للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز أن يكون مآلهما جميعًا، واللَّه أعلم.

ثم المباهلة في المتعارف إنما هي المحاجة في بلوغ العناد والتمرد غايته، فكأنه لما قررت عندهم جميع الحجج فلم يقبلوها أمره بالمباهلة؛ فلم يباهله اليهود والنصارى؛ لأنه يجوز أن قد كان في كتابهم هذا أن المباهلة من غاية المحاجة وأن من باهَل، نزل عليه العذاب واللعنة إن لم يكن محقًّا؛ فلذلك امتنعوا من المباهلة، وأما العرب من المشركين فلم يكن لهم كتاب يعرفون به حكم المباهلة فباهلوا، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يقول: " اللهم انصر أحبنا إليك وأقرانا للضيف وأوصلنا للرحم " فنصر اللَّه تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فأبو جهل باهَله؛ لأنه لم يكن له كتاب، ولم يباهله اليهود والنصارى؛ لما كانت لهم كتب عرفوا فيها حكم المباهلة، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧).

هذه الآية تدل على رسالة رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأنه لو كان يقوله من نفسه، لكانوا يبادرون فيتمنون الموت للحال؛ ليظهر كذبه فيه، فلما أخبر أنه لا يتمنونه أبدًا، ولم يتمنوا، تبين أنه قال من الوحي، وأنهم علموا ذلك حتى امتنعوا عن التمني؛ خوفا للهلاك على أنفسهم؛ لعلمهم أنهم لو تمنوا لماتوا، واللَّه أعلم.

وقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ).

أي: من تحريف التوراة والإنجيل؛ لأن قول النصارى (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، لم يكن في الإنجيل، وقول اليهود: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا)، لم يكن في التوراة، ولكنهم غيروا وبدلوا؛ فلا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم من تحريف هذه الآيات وتبديلها وتغيير نعت مُحَمَّد، عليه الصلاة والسلام.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).

يعني: بظلمهم الآيات، وعنادهم لها، ومكابرتهم إياها.

وقوله: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨).

أي: الموت الذي تفرون منه بما قدمت أيديكم من تحريف التوراة والإنجيل يلقاكم لا محالة وإن فررتم منه؛ فيكون فيه تذكيرهم إن رجعوا عما يهربون منه، يعني: الموت.

وقوله: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).

يعني: إلى عالم ما أشهدتم الخلق من التوراة والإنجيل، وعالم ما غيبتم عن الخلق من

<<  <  ج: ص:  >  >>