للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخُطْبة والخاطب.

وبعد فإنهم لم يكونوا من أجلة القوم، ولا صَاحَبُوا أجلتهم؛ ليعرفوا حق الخُطْبة والخاطب، فانفلت منهم الزلة، ومن مثلهم هذه، فأما الذين كانوا من أجلة الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - ومن علمائهم، فلم ينفر واحد منهم.

وكذلك الضحك أيضًا يجوز أن يكون من ضحك من أتباع القوم وسفلتهم، ولم يكونوا من الأجلة والنجباء، ولا يستنكر من مثل أُولَئِكَ هذا الصنيع، واللَّه أعلم.

قال: والمعنى من ترك النبي عليه السلام نهيهم عن الخروج - وجهان:

أحدهما: أن يكون الكلام كان محرمًا وقت الخطبة؛ فلم ينههم للنهي عن الكلام في ذلك الوقت.

والثاني: يجوز أن يكونوا أسرعوا الخروج؛ فلم يبلغهم نهيه، أو لم ينههم؛ لما علم أنهم لم يسمعوا، واللَّه أعلم.

وفي الخبر أنه عد الذين ثبتوا معه بعدما فرغ من الصلاة فوجدهم اثني عشر رجلا، فقال: " لو لحق آخركم بأولكم لاضطرم الوادي نارا " أي: المدينة، ففي هذا دلالة على أن الجمعة تقام بدون الأربعين؛ لأنه - عليه السلام - جمع باثني عشر رجلا، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَتَرَكُوكَ قَائِمًا).

هذا يدل على أن الخطبة إنما تكون قائما.

وقوله: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ).

قال إمام الهدى: ولولا هذا قد كان يعلم أن ما عند اللَّه خير من اللهو ومن التجارة، ولكن المعنى من ذلك - واللَّه أعلم - أن الدنيا كلها متجر، وأن أهلها فيها تجار: إما تجارة الدنيا، أو تجارة الآخرة؛ لأن الطاعة والعبادة في الاعتبار كأنها تجارة؛ لأنه يكتسب بها منافع الآخرة، وتجارة الدنيا يكتسب بها منافع الدنيا، فقال؛ التجارة التي عند اللَّه في طاعته واكتساب منافع الآخرة خير من اللهو، ومن التجارة التي يكتسب بها منافع الدنيا، واللَّه أعلم.

وجائز أن يكون معناه كأنه قال: اتقوا اللَّه؛ فإنكم إذا اتقيتموه اكتسبتم به المنافع في الرزق وغيره، والتجارة الدنيوية لا يكتسب بها إلا منافع الدنيا؛ ألا ترى إلى قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال في

<<  <  ج: ص:  >  >>