للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعظيم أذاه له.

وجائز أن يكون هذا في الآخرة، فيجعل اللَّه تعالى في أنفه علما يتبين به، ويمتاز من غيره يوم القيامة؛ زيادة له في العقوبة، كما جعل لآكلي الربا يوم القيامة علما يعرفون به، وذلك قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).

وجائز أن يكون: نسم خرطومه خصوصا له من بمن الكفرة، فيحشره ولا أنف له؛ لأنه ذكر أن سائر الكفرة يحشرون يوم القيامة عميا وبكما، وصما، ولم يذكر في أنوفهم شيئا، فجائز أن يكون يحشر ولا أنف له، وذلك هو النهاية في القبح، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)، فهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون أهل مكة ابتلوا بالإحسان إلى أتباع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كما ابتُلي أصحاب الجنة بالإحسان إلى المساكين ثم أخبر أن أُولَئِكَ امتنعوا عن الإحسان إلى المساكين فحل بهم من البلاء ما ذكر؛ لامتناعهم عن الائتمار، فيذكر أهل مكة: أنهم إن امتنعوا عن الإحسان إلى أتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، حل بهم ما حل بأُولَئِكَ، وقد وجد منهم الامتناع فابتلوا بسنين كسني يوسف - عليه السلام - حتى اضطروا إلى أكل الجيف والأقذار.

ثم إن أصحاب الجنة لما مسهم العذاب، وأيقنوا به أنابوا إلى اللَّه تعالى، وانقلعوا عن مساويهم، فتاب اللَّه عليهم ورفع البلاء عنهم، وأهل مكة تمادوا في غيهم ولم يتوبوا فانتقم اللَّه منهم بالقتل يوم بدر في الدنيا، وسيردهم إلى العذاب في الآخرة.

وجائز أن يكون اللَّه تعالى لما أعزهم وشرفهم وصرف وجوه الخلق إليهم، امتحنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>