للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يلحق أهل الكبائر من أهل الإيمان بهم في الحكم؛ بل وجب الوقف في حالهم؛ كما قال أصحابنا، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: (هَآؤُمُ) أي: تعالوا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: " ها " بمعنى: هاكم؛ أي: خذوا، فأبدلت الهمزة مكان الكاف، فظاهر الآية أن المعطى له الكتاب؛ يقول هذا؛ يدعو الخلق إلى نحوه، أو يناولهم الكتاب؛ استبشارًا وحبورًا، فيبشرهم بعفو اللَّه - تعالى - عنه ورحمته عليه.

ولكن أهل التأويل صرفوا التأويل إلى المعطي، فقالوا بأن المعطي هو الذي يقول هذا؛ فكأن الذي كتب الكتاب في الدنيا من الملك هو الذي يعطي الكتاب إلى المكتوب عليه، ويقول: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) أي: خذوا اقرءوا، ما كتبت لكم وعليكم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠) فإن حملته على حقيقة الظن، فهو يخرج على ثلاثة أوجه.

أحدها: أي: إني ظننت في الدنيا أني ألاقي (حِسَابِيَهْ)، أي: الحساب الشديد فيما سبق من سيئاتي، وأؤاخذ بها، وأجازى عليها، وظننت الساعة ألا أنجو من ذنوبي؛ لفزع هذا اليوم، فوجدت سيئاتي قد غفرت، وخطاياي كفرت عني؛ فيكون قوله منه هذا شكرًا لله - تعالى - وإظهارًا لمنته.

والثاني: أي: إني تركت في دار الدنيا إذا عرضت لي الحوادث من الزلات والهفوات، ظننت أني ألاقي اللَّه - تعالى - بها، فأمسكت عنها، وانزجرت عن إتيانها؛ فيكون إخبارًا عن بيان سبب نيل ذلك.

والثالث: أني تفكرت في أمري؛ فظننت أن مثلي لا يترك سدى هملاً؛ فأدى ظني إلى اليقين، فآمنت وصدقت الرسل، فإنما نجوت بأول ظني وفكرتي.

ومنهم من صرف الظن إلى اليقين والعلم، فقال: معنى قوله: (ظَنَنْتُ) أي: أيقنت، وعلمت.

والأصل: أن كل يقين حدث في الأمور المستترة والعلوم الخفية فإنما يتولد ذلك على ظن يسبق، فيحمله ذلك الظن على النظر فيه والبحث عن حاله حتى يفضي به إلى الوقوف

<<  <  ج: ص:  >  >>