للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى، ورجاء الثواب في الآخرة، والكافر غير مؤمن بالجزاء؛ ليحمله ذلك على الإطعام، وليس هو بكسب يرغب فيه من مكاسب الدنيا؛ فكأنه يقول: إن الذي أفضى به إلى النار تركه الإيمان باللَّه - تعالى - أو بالبعث.

ويجوز أن يكون قوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) إثبات السخرية من الذي ترك الحض على أهله بالإطعام؛ كقوله: (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ)، يقول: كيف أطعمه ومن بيده خزائن السماوات والأرض لا يطعمه؟! فلو كان أهلًا للإطعام لكان الأولى من يطعمه هو اللَّه تعالى.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) أي: قريب يرجو منه، وهو كقوله: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، فليس له قريب يرجوه، أو ينفعه ذلك الحميم، وقد كان له في الدنيا حميم ينتفع به ويرجو منه.

وقوله: (وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) وقال في موضع آخر: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)، وقال في موضع آخر: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)، والزقوم غير الضريع؛ فهذا - واللَّه أعلم - يدل أن في جهنم دركات، فأهل دركة منها لا يجدون غير الغسلين، وأهل دركة منها يجدون غير ذلك، وأهل دركة منها طعامهم الزقوم، ليس لهم غيره، وإلا لو لم يحمل الأمر على هذا، أوجب ما ذكرناه اختلافًا، فيخرج أن يكون من عند اللَّه بقوله: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).

ثم يجوز أن يكون قدر لأهل كل دركة ما توجبه الحكمة أن يكون ذلك طعامهم؛ فعلى ما كانوا يفتخرون في هذه الدنيا بالأطعمة على من دونهم، ويهينون من لم يكن عنده ذلك الطعام، جعل اللَّه - تعالى - لهم من ذلك الوجه طعامًا في الجحيم يهانون به.

وقال الحسن: إن القرآن كله كسورة واحدة، والسورة كأنها آية واحدة، فكأنه جمع بين هذه الأشياء كلها في آية واحدة فقال: (وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ)، (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)، و (مِنْ زَقُّومٍ) وإذا حمل على ما ذكر ارتفع توهم التناقض، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) فجائز أن يكون هذا اسمًا لشيء من الأشياء التي يعذب بها أهل النار، لم يطلع اللَّه - تعالى - الخلق على علم ذلك ومعرفته في الدنيا،

<<  <  ج: ص:  >  >>