للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيه بعض التخفيف.

فَإِنْ قِيلَ على التأويل الأول: كيف خص رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في باب النكاح؛ حيث أبيح له فضل العدد، ولم يبح لأمته، وفي ذلك زيادة تمتع بشهوات الدنيا؟

فجوابه أن يقال: بأن المعنى الذي به حظر على غيره الزيادة على الأربع، وقصر الأمر على الأربع هو خوف الجور؛ ألا ترى إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)، وإذا كان التحريم للوجه الذي ذكرنا، ارتفع الحظر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - عصمه عن الجور، ومكنه من العدل بين نسائه، ثم ليس في إباحة زيادة العدد سوى فضل محنة وكلفة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأنه إذا أمر أن يقوم فيما بينهن بالعدل، وأن يبتغي مرضاتهن بحسن العشرة معهن، وإنما يصل المرء إلى الإرضاء بالأموال، ولم يتمتع هو من الدنيا مقدار ما يصل إلى إرضائهن بالأموال، ولم يتهيأ له أن يصيبهن إلا بسعة الأخلاق، وأن يبين لهن لتقر أعينهن ولا يحزن - فثبت أنه ليس في إباحة العدد فضل تمتع، بل فيه زيادة محنة وابتلاء.

وفيه أيضا ما يحقق رسالته، ويثبت نبوته؛ لأن المرء إنما يصل إلى توفير الحقوق الواجبة عليه بالنكاح إذا تناول من فضول الدنيا وطعم لذاتها، وأعطى النفس شهواتها، ثم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان ممنوعا من إعطائه النفس شهواتها، ومع ذلك قام بإيفاء حقوق الأزواج؛ فثبت أنه باللطف من اللَّه تعالى وصل إلى إيفاء حقهن، ليس بأسباب البشرية.

وفي هذه الآية دلالة أن الصلاة تشتمل على الذكر والفعل جميعا؛ لأنه قال: أشد على البدن، وشدته تكون بالفعل، وقال: (وَأَقْوَمُ قِيلًا)، وذلك يرجع إلى الذكر.

ثم يجوز أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يكلف تبليغ الرسالة بالليالي؛ لأن أعداءه من الفراعنة وغيرهم كانت همتهم أن يقتلوه ويمكروا به، ولم يكن يتهيأ لهم إيصال الأذى به؛ لمكان أتباعه، والليالي هي أوقات غفلة الأتباع، فلو كلف التبليغ فيها لتمكنوا من إيصال المكر به؛ فوضع عنه التبليغ، وامتحنه بالقيام لعبادة ربه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قيل: هو من نشأ ينشأ، أي: نما، فسميت: ناشئة؛ لأن الأوقات تحدث، وتترادف.

وجائز أن يكون المراد من ناشئة الليل، أي: ما يوجد من الأحوال في الليل من القيام للصلاة، والاشتغال بعبادة الرب، جل جلاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>