للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) يحتمل أوجها غير ما ذكرنا:

أحدها: أن هذا القرآن الذي جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تلقاه من رسول كريم على اللَّه - تعالى - فإذا لم تؤمنوا به، ولم تقبلوه فما ذهبتم إلا إلى قول شيطان رجيم.

ويحتمل؛ (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)؟ وإلى من تفزعون إذا أتاكم بأس اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ونقمته إذا لم تؤمنوا باللَّه تعالى، وأنكرتم البعث، ولم تصدقوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما أخبركم به؟! فإذا حل بكم ما أنذركم به فإلى من تلجئون؟! وهو كقوله - تعالى -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).

أو إذا لم تؤمنوا باللَّه - تعالى - ولم تتبعوا ما أتاكم به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقد تقرر عندكم صدقه أنما أتاكم من الآيات المعجزة، فبأي حديث تصدقونه بعد ذلك وتذهبون إليه؟! وهو كقوله تعالى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)؟!.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) معناه - والله أعلم -: أن هذا القرآن ذكر لمن شاء أن يستقيم من العالمين، فهو في نفسه ذكر وآيات وهدى، ولكن ينتفع بهذا الذكر من شاء الاستقامة، ويهتدي به من طلب الهداية؛ قال - تعالى -: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، وهو في نفسه هدى، ولكن يهتدي بهداه المتقون، ومن ليس بمتقٍ فهو عمى عليه ورجس، وقال: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ)، وهو كان ينذر من اتبع ومن لم يتبع، ولكن معناه: أنه ينتفع بالذي تنذر به من اتبع الذكر، وقال: آيات لأولي الأبصار، وهي في أنفسها آيات، ولكن ينتفع بآياته أولو الأبصار.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يحمل على تحقيق المشيئة، ويكون تأويله: أن من أراد الاستقامة على أمر اللَّه - تعالى - أو على الحق، فهذا الذكر -وهو القرآن- يقيمه على الحق وعلى الأمر، ويهديه إلى ذلك.

أو أن يكون هذا على تحقيق الفعل؛ فيكون معناه: من استقام منكم على الحق والأمر فهو ذكر له.

والأصل أن المشيئة وصف فعل كل مختار، وإذا كان هكذا، صارت المشيئة مقترنة بالفعل، فإذا فعل فقد شاء؛ فكان في إثبات الفعل إثبات المشيئة؛ لذلك استقام حمله على ما ذكرنا، وهو أن يجعل أحدهما كناية عن الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>