للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه أعلام أهل الشقاء، وفيما ذكر اسوداد الوجوه قرن به التكذيب بقوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)، وفيما ذكر دفع الكتاب بالشمال ومن وراء الظهور، قال فيه: (فَاسْلُكُوهُ)،، وقال: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلَى. . .) الآية، وقال - تعالى - عندما ذكر خفة الميزان: (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ)، ولم يذكر عند ذكر شيء من هذه الأعلام غير المكذبين، فثبت أن الوعيد في المكذبين لا في غيرهم؛ لذلك لم يسع لنا أن نشرك أهل الكبائر مع أهل التكذيب في استيجاب العقاب، وقطع القول بالتخليد، بل وجب الوقف في حالهم والإرجاء في أمرهم.

والثاني: ذكر في مواضع الإيمان باللَّه - تعالى - أدنى مراتب أهل الإيمان، ووعد عليه الجنة، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ)، وقال في موضع آخر: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)، وقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ. . .) الآية، فذكر في هذه الآيات التي تلوناها أدنى منازل أهل الإيمان، وذكر في موضع آخر أعلى مراتب أهل الإيمان، ووعد عليها الجنة بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ. . .) الآية، وقال: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. . .) الآية؛ فجائز أن يكون ذكر الجميع على المبالغة لا على جعله شرطا؛ فيجب القول باستيجاب الوعد بأدنى مراتبه، على ما ذكر في الآيات الأخر.

وجائز أن يكون الجميع فيما ذكر فيه الإيمان باللَّه ورسله مضمرا، ويكون ذكر طرفًا منه على الإيجاز؛ ألا ترى أنه ذكر الكفر في بعض المواضع، وأوعد عليه النار، وذكر في بعض المواضع الكفر مع أسباب أخر، وأوعد عليه النار بعد ذلك بقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. . .) الآية، وقال في موضع آخر: (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. . .) الآية، ثم لم يصر جميع ما ذكر من السيئات مع الكفر شرطا، بل وجب القول بالتخليد لمن اقتصر على الكفر خاصة؛ فثبت أن ليس في ذكر المبالغة دلالة جعل المبالغة شرطا، بل جائز أن يستوجب الوعيد بدونه؛ فلذلك لم يقطع القول في أصحاب الكبائر بالتخليد في النار، ولا بأنهم مستوجبون للوعد، بل قيل فيهم بالإرجاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>