للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهل الكتاب ونحو المحصنات من المؤمنات، فمثله الكتابيات، إذ نَسَقَ نكاحهن على من ذكر. ولو كان التأويل هذا، كانت الآية نطقت بألا تنكحوا المشركات غير الكتابيات؛ فلا يكون في الآية تحريم الإماء من أهل الكتاب، ولا النهي عن ذلك، وإنما يعرف إن كان يجوز أو لا، بدليل آخر سوى هذه الآية.

فَإِنْ قِيلَ: على ذلك لِمَ لا كانت آية الإحلال في التخصيص بذكر المحصنات دليلًا على حرمة نكاح الإماء؟

قيل: يكون الجواب لأوجه:

أحدها: أن ذكر الحل في حال لا يدل على الحرمة في غيرها. كذلك ذكر الحل في صنف لا يدل على حرمة في غيره. ولو كان ذا يدل، لكان يجيء أن يكون حكم ما لا يرد فيه السمع مخالفًا لما يرد فيه. وذلك فاسد؛ إذ السمع هو دليل الحكم فيما لا سمع فيه بالمعنى الذي ضمن فيه. واللَّه أعلم. وأيد ذلك قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، ثم هن يحللن وإن لم يؤتين أجورهن؛ فمثله الأول.

والثاني: أنه منسوق على مثله في المؤمنات. ثم لم يكن ذلك في المؤمنات على تحريم الإماء؛ فمثله في الكتابيات.

فَإِنْ قِيلَ: لما بين في إماء المؤمنات؟

قيل لهم: لم يزعم أحد أن ذلك على نسخ هذه الآية؛ فثبت أنه ليس في الذكر في المحصنات تحريم الغير؛ فكذلك في المنسوق على ذلك مع ما لو كان في مثل هذا الاستدلال على الحرمة، لكان في قوله: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ)؛ إذ وقع على غير الكتابيات - دليل على الإحلال، فيكون ذكر الحرمة في نوع دليل الحل في غيره على مثل ذكر الحل في نوع. وفي ذلك تناقض الأدلة. واللَّه أعلم.

ووجه آخر: أن (وَالْمُحْصَنَات)، يحتمل أن يريد به العفائف، وأهل الصلاح، والإماء قد يستحققن هذا الاسم، كقوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ)، وقوله: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)، وقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)، وإذا استحققن الاسم فهن في الآية حتى يظهر الإخراج. والله

<<  <  ج: ص:  >  >>