للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجعل الطاغوت أولى بالكافرين، وصنع اللَّه إلى كل واحد، ولم تكن من اللَّه تلك الزيادة، فإذا كان الذي ذكر لهم في أنفسهم فلا وجه للامتنان بذلك. ومن البعيد ذكر الامتنان فيما به الإلزام والأمر. وما ذكرت المعتزلة إنما هي أسباب الإلزام، ولولا ذلك كان أيسر عليهم وأقل لائمة. فكيف بمن بها ثبت أن كان منه فضل، ليس ذلك في أعدائه فيه استوجب الحمد منهم؛ ولهذا يضاف إليه الخيرات على الشكر له، وتوجيه الحمد إليه، ولا يضاف إليه الشر بما ليس في ذلك تشكر، إنما منه الخذلان بما علم من إيثار الكافر عداوته واختياره الكفر به؛ فلذلك لم يجز الإضافة إليه؛ والإضافة إلى اللَّه جل ثناؤه لا باسم الخلق يخرج مخرج التعظيم له والخضوع من العبد بالحمد له والشكر. ولا يجوز مثله فيما ليس فيه ذلك على ما لا يضاف إليه الأنجاس والخبائث والجواهر القبيحة، وإن كان من طريق الخلقة جرى عليها تدبيره وخرجت على تقديره. فعلى ذلك أفعال الخلق، وعلى ذلك القول بأنه رب كل شيء، وإله كل شيء. ثم على الإشارة لا يوصف بذلك في الأشياء الخاملة المستخف بها. فمثله الأول. واللَّه أعلم.

وقوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَومَ الظَّالِمِينَ)، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي القَومَ الْفَاسِقِينَ)، ونحو ذلك يخرج على وجوه:

أحدها: أنه لا يهديهم وقت اختيارهم ذلك، ويكون على ألا يخلق منهم فعل الهداية، وهم يختارون فعل الضلال.

ويحتمل: من في علمه أنه لا يهتدي، فيرجع المراد به إلى الخاص.

ويحتمل: لا يهدي طريق الجنة في الآخرة من كفر باللَّه في الدنيا.

ويحتمل: لا يجعلهم في حكمهم، كقوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).

وقوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ذكر أن الكفرة هم أصحاب النار، وذكر في آية أخرى أن الملائكة أصحاب النار بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً)، لكنه ذكر الملائكة أصحاب النار؛ لما يتولون تعذيب الكفرة فيها، فسماهم بذلك، وذكر الكفرة أصحاب النار؛ لأنهم هم المعذبون فيها، والملائكة هم معذبوهم بها. واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>