للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ).

أي: لا تكلف النساء حضور أبواب القضاة ومجلسهم لأداء الشهادة إلا عند العجز عن وجود الرجل؛ لما في ذلك هتك أستارهن، وكشف عورتهن. واللَّه أعلم.

والثاني: أن اللَّه تعالى ذكر امرأتين وأقامهما مقام رجل فائتٍ، والرجل الذي قامت امرأتان مقامه هو فائت أبدا غير موجود، إذ له أن يشهد عددا على ذلك الحق؛ لذلك جازت شهادتهن وإن كان هناك رجلان. واللَّه أعلم.

فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في ذكر رجلين دون ذكر العدد، أو ذكر واحد؟

قيل: لوجوه:

أحدها: ذكر على قدر الأشياء ومراتبها عند الناس، إذا كان أمرًا عظيما فظيعا لا تقبل فيه إلا شهادة عدد، نحو الزنى، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا). وإذا كان خسيسا سهلا عند الناس قبل قول الفرد حرًّا كان أو عبدًا، من نحو الاستئذان للدخول على آخر ونحوه. ثم الأموال وغيرها هي المتوسطة المترددة بين هذين، فقبل الوسط من الشهادة، ولم يقبل دونها. واللَّه أعلم.

ووجه آخر: قيل: إنه ذكر ذلك عبادة، لا لمعنى المودع فيه، ولكن سمعا، فهو على ما ذكر، لا يطلب معناه.

والثالث: أن الواحد لم تقبل شهادته في الحقوق بالانفراد؛ لأنه ينتفع بها. لأن من صدق في قوله يتلذذ بتصديقهم إياه. فعلى ذلك لم يقبل قول المدعي في دعواه وإن كان عدلا، لما ينتفع بالتصديق وقبول قوله فيه. فإذا كانا اثنين صار تلذذ كل واحد منهما وانتفاعه لصاحبه؛ فحصلت الشهادة خالصة صافية؛ فقبلت. واللَّه أعلم.

والرابع: أن الإنسان مطبوع على السهو والغفلة، فإذا كان فردا يخاف عليه النسيان؛ أمر بضم آخر إليه ليذكر كل واحد منهما صاحبه إذا نسيه. وعلى ذلك يخرِج قوله: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)، لما ذكر أنهن جبلن وطبعن على فضل السهو والغفلة، أمر بضم غيرها إليها إذا سهت وغفلت عنها.

ثم اختلف في قوله: (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ):

قال أصحابنا - رحمهم اللَّه تعالى -: يرجع الخطاب إلى الأحرار خاصة دون العبيد والكفرة. أما الكفرة؛ فلأن الخطاب في الابتداء للمؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>