للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو إله، فكيف قلتم في عيسى: إنه إله؛ وإنه خلق لا من أب؟ إذ عدم الأبوة في آدم لم يوجب أن يكون ربًّا؛ وكيف أوجب عدم الأبوة في عيسى كونه ربًّا وإلها؟! والله الموفق.

وإنما كان عيسى بقوله: " كن " - كما كان آدم، أيضًا، بـ " كن " - من غير أب.

وقوله: (كُن):

قد ذكرنا أنه أوجز كلام في لسان العرب يعبر فيؤدي المعنى؛ فيفهم المراد، لا أن كان من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كاف، أو نون، أو وقت، أو حرف، أو يوصف كلامه بشيء مما يوصف به كلام الخلق، تعالى اللَّه عن ذلك.

وقوله: (فَيَكُونُ):

يحتمل وجهين:

يحتمل " يكون "، بمعنى: كان، والعرب تستعمل ذلك ولا تأبى.

والثاني: أن تكون الكائنات بأسبابها في أوقاتها التي أراد كونها على ما أراد، وأصل ذلك، إذا ذكر اللَّه ووصف بذكر بلا ذكر وقت في الأزل، وإذا ذكر الخلق معه يذكر الوقت، والوقت يكون للخلق يقول: خالق لم يزل، وخالقه في وقت خلقه.

وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)

يحتمل هذا وجوهًا:

يحتمل أن يكون الخطاب لكل أحد قال في عيسى ما قالوا، أي: لا تكن من الممترين في عيسى أنه عبد اللَّه خالصا، وأنه نبيه ورسوله إليكم.

ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمراد غيره؛ وهكذا عادة ملوك الأرض أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا رعيتهم شيئا، يخاطبون أعقلهم وأفضلهم وأرفعهم منزلة وقدرًا عندهم؛ استكبارًا منهم مخاطبة كل وضيع وسفيه؛ فكذلك (ولله المثل الأعلى)، اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - خاطب نبيّه؛ إعظامًا له وإجلالًا، واللَّه أعلم.

ويحتمل ما ذكرنا فيما تقدم أن العصمة لا تمنع الأمر ولا النهي؛ بل تزيد أمرًا ونهيًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>