للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهكذا يكون في العقل أن من اتبع آخر وأطاعه؛ فهو أولى به، وإنما الحاجة إلى السمع بمعرفة المتبع له والمطيع أنه ذا أو ذا؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الذين آمنوا والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هم المتبعون له؛ فهم أولى به.

وقوله: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)

اختلف فيه؛ قيل: الولي: الحافظ.

وقيل: الولي: الناصر.

وقِيل: هو أولى بالمؤمنين، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وقد يكون وليهم: بما دفع عنهم سفه أعدائهم في إبراهيم، وأظهر الحق في قولهم.

قال الشيخ - رحمه اللَّه -: في قوله - تعالى -: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. . .) الآية، وفي قوله: (لِمَ تُحَاجُّونَ. .)، وفي قوله: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ. . .) الآية، ونوع ذلك من الآيات التي خص بالخطاب بها أهل الكتاب - وجوهٌ من المعتبر.

أحدها: أن الذين خوطبوا بهذا الاسم كانوا معروفين، وأنه لم يخطر ببال مسلم أنه قصد به غير أهل التوراة والإنجيل، ولا ذكرت تلاوتها في حق المحاجة على غيرهم، ثبت أن المجوس ليسوا بأهل الكتاب، وأن المراد من ذكر أهل الكتاب غيرهم، وأن أخذ الجزية من المجوس ليس مما تضمنهم قوله: (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)؛ لكن بدليل آخر، وهو ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال " " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَاب، غَيرَ نَاكِحِي نِسائِهِم، وَلا آكِلي ذَبَائِحِهِمْ وعلى ذلك أيَّد قوله: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا)؛ ليعلم أن الكتاب المعروف وأهله: هَؤُلَاءِ، إن كانت ثَمَّ كتب وصحف، واللَّه أعلم.

والثاني: أن اللَّه خص أهل الكتاب بأنواع الحجج، وجعل المحاجة بينهم وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ليوضح أنه -وإن كان مرسلا إلى جميع البشر- كان له التخصيص في المحاجة؛ وعلى ذلك عامة " سورة الأنعام " في محاجة أهل الشرك، على أن أهل المدينة كانوا أهل كتاب، وأهل مكة كانوا أهل شرك، فحاجَّ كلًّا بالذي هو أحق أن يكلم فيه، وإن كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>