للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أسباب الانحراف الفكري قلة الفقه في دين الله]

إبراهيم بن عبد الله الزهراني

الدين الإسلامي مبناه على الوحي؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} (الأنبياء:٤٥)،وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء: من الآية١١٣).

وفرض الله على الناس اتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد دل القرآن على أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو مطيع لله؛ كما قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (النساء:٨٠) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران:٣١). فإقامة الدين على الوجه المطلوب شرعا لا تحصل إلا بالعلم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال أبو حمزة البزاز: " من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه، ولا دليل على الطريق إلا متابعة الرسول في أقواله، وأفعاله، وأحواله" ولذلك أمر المولى تبارك وتعالى بطلب العلم؛ فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (محمد:١٩)، وندب المؤمنين إلى التفقه في الدين؛ فقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة:١٢٢)، وليس التفقه في الدين إلا علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).

وللعلم بالكتاب والسنة طرق، وآلات، من يسرها الله له، وأراد به خيرا فَقُه في دين الله، ومن تنكب تلك الطرق، وحرم آلات العلم، لم يعرف دينه؛ ومن لم يعرف دينه، لا يكون فقيها، ولا طالب فقه.

فمن طرق اكتساب العلم، التعلم؛ كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة:١٢٢). وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه). فالعلم بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم سبيله بذل الجهد في طلبه، والأخذ من أفواه العلماء الربانيين؛ المشهورين بالديانة، المعروفين بالستر والصيانة؛ الذين قد ارتقت في العلم درجتهم، وعلت فيه منزلتهم. ولا يكون العالم ربانيا إلا إذا عمل بعلمه؛ قال ابن الأعرابي: " إذا كان الرجل عالما، عاملا، معلما، قيل له رباني، فإن خرم خصلة منها، لم يقل له رباني " وكذلك يؤخذ العلم عن الأكابر؛ فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا" ولا يؤخذ عن مبتدع، ولا كذاب، ولا سفيه؛ كما قال الإمام مالك:"لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به ".

<<  <  ج: ص:  >  >>