للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قيادة المرأة للسيارة .. مناقشة ليبرالية]

إبراهيم بن محمد الحقيل

السبت٢٥جمادى الآخرة١٤٣٢هـ

بداية أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من أن أكون ليبراليا، وأعيذ ذريتي ومن أحب بالله العظيم أن يكونوا ليبراليين، لكنني وجدت نفسي مضطرا في مناقشة قضية قيادة المرأة للسيارة من وجهة ليبرالية؛ لأن أهل الغيرة والحمية الدينية -كتابا وكاتبات- ناقشوا هذا الموضوع من جوانبه الشرعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولا أريد تكرار ما ذكروا، أجزل الله تعالى مثوبتهم أجمعين ..

وقضية قيادة المرأة للسيارة شأنها شأن المشروعات التغريبية الأخرى يريد الليبراليون فرضها بالقوة، وإسكات السلطة السياسية بالاستقواء بالخارج، وإحراج السلطة الأمنية بفرضها واقعا عبر ممارستها في الميدان بدون إذن، وإحراج المؤسسة الدينية بإبراز اللحى الليبرالية في الفضائيات لإيجاد المسوغات الشرعية لها، والجزم بأنه لا نص في المسألة؛ لتنقلب قنوات العهر والرقص، وصحافة النخاسة الفكرية عند مناقشة هذه القضية إلى سلفية أثرية تبحث عن النص في مظانه، وتظهر قدرا كبيرا من إجلاله وتعظيمه لتضرب به الخصم السلفي، ثم تركل النص بالأقدام بعد انتهاء اللحى المستأجرة من تقرير ما يريدون.

ومن البدائه التي لا ينبغي الجدال فيها أن قضية قيادة المرأة للسيارة هي قضية مصالح ومفاسد، وليست قضية نصوص حاسمة قاطعة حتى تختزل المسألة فيها، ولا يقتطعها من سياق المشروع التغريبي في السعودية، فيتكلف في الاستدلال لها أو اجترار أقوال من يجيزها إلا جاهل بالواقع فحقه أن يسكت حتى يعلم، أو صاحب هوى يرجو بقوله فيها جاها أو مالاً، ولا أرى ثالثاً لهذين الاثنين؛ إذ إن إفساد المرأة، والجهود الدائبة لتغريب المجتمع السعودي لا تخطئها عين الأعمش فضلا عن المبصر، والدعوة لقيادة المرأة للسيارة لا تنفك عن هذا المشروع.

والسؤال الذي أنطلق منه في مقالتي: ما هو المستند الليبرالي لقضية قيادة المرأة للسيارة؟

يرى الليبراليون والليبراليات أن ذلك حق من حقوقها لا يمنعها منه إلا مستبد ظالم سواء كان ذلك الحق استقلالا، أم كان من باب مساواتها بالرجل ..

وهذا المستند مفهوم وواضح ولكن لا بد من سؤال مفاده: من أين تُستمد حقوق الناس -ومنهم المرأة- في الفكر الليبرالي الديمقراطي؟

ويجيب الليبراليون عن ذلك بأن استمداد حقوق الناس يكون من الناس أنفسهم؛ لأن الديمقراطية حكم الشعب للشعب، بمعنى أن ما ارتضاه جماعة الناس حقا كان حقا لهم لا يجوز المساس به ما لم يكن فيه تعد على حقوق الآخرين على قاعدة: لك الحرية أن تفعل ما تشاء بشرط أن لا تتعدى على حريات الآخرين، أو تبدأ حريتك من حيث تنتهي حرية الآخر.

وهنا إشكال: ما السبيل إلى معرفة ما يريده الناس حقا لهم مما لا يريدونه؟

ويجيبون عن ذلك: بأن معرفة ذلك تكون عن طريق صناديق الاقتراع لترشيح المجالس التشريعية والبرلمانية التي تشرع للناس ما يريدون، وتمنع ما لا يريدون، أو عن طريق تسجيل قياسات الرأي العام حيال القضية المراد إقرارها أو منعها ..

وسواء كان الأمر موكولا للمجالس التشريعية والبرلمانية التي صوت الشعب لاختيارها، أو كان الاقتراع على قضية بعينها، أو تم فيها قياس الرأي العام فإن النهاية تئول إلى أن الناس هم أهل الاختيار ..

لو أردنا أن نطبق هذه الآلية الليبرالية الديمقراطية على قيادة المرأة للسيارة في السعودية للوصول إلى كونها حقا من حقوق المرأة أو ليست حقا من حقوقها؛ فإن الشعب السعودي هو صاحب القرار والاختيار في ذلك رجالا ونساء؛ لكون هذا الأمر يتعلق بهم ..

<<  <  ج: ص:  >  >>