للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حجاب الفقراء]

عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف

١٤ جمادى الأولى ١٤٣٢هـ

كتب الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - مقالاً ماتعاً وطريفاً عن الحجاب استهلَّه بهذه الديباجة: «ليطمئن السيدات، فليس الكلام عن حجاب النساء، ولكن عن حجاب الأمراء، وإن كان الصنفان يتشابهان في أمور كثيرة:

- في الحروف (امرأة - أمراء) كلها من (أ، م، ر)، وأثقل القول على النفس فِعْل الأمر.

وفي أنَّا إن خضعنا للنساء طَغَيْن طغيان الأمراء، وإن لِنَّا للأمراء (تدلَّلوا) دلال النساء.

وفي الحجاب الذي يغري ولا يغطي، ويُطمِع ولا يطعم، يلبس النساء العديد من الثياب ولكنها ثياب لا تستر جسداً، ويتخذ الأمراء الواسع من الأبواب ولكنها لا تُدخِل أحداً.

والحجاب عند الصنفين زينة وفخر، ولو تعرَّى الأمراء عن الشارات والزينات والأبواب والحجاب لخسروا أغلب هيبة الحكم ... » (١).

وقد أشار الشوكاني - رحمه الله - إلى هذه البَهرَجة والتهويل في إيوانات السلاطين، وأن رسولاً قدم من بلاد نائية إلى أحد خلفاء بني العباس، وعاين هذه التهاويل والعجائب، فامتلأ قلبه مهابة وروعة، وتعاورته أسباب التعظيم والانبهار من كل حدب وصوب، فما إن وقعت عين هذا البائس على الخليفة حتى قال: أهذا الله؟ فقالوا: لا. بل هذا خليفة الله. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً (٢).

وبيَّن صدِّيق حسن القنوجي - رحمه الله - أن إيوانات السلاطين التيمورية بالهند على هذا المنوال، وأن الرِّعدة تعتري أجسام الأقوياء، ويلحقهم الذهول والاندهاش إثر معاينة التزويقات والزينات (٣).

ولئن كانت هذه الأبهة والتهويل ترسِّخ تأليهاً وتعظيماً للسلاطين، وتثبيتاً للوثنية السياسية، فإن الغلو في القبور بإسراجها والبناء عليها يجلب وثنية الأضرحة وعبادتها، وقد أوضح الشوكاني ذلك بقوله: «لا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زيَّنه الشيطان للناس: من رفع القبور، ووضع الستور عليها، وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسين، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بُنيَت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستورَ الرائعة، والسرجَ المتلألئةَ، وقد سطعت حوله مجامر الطيب، فلا شك أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية» (٤).

ومهما يكن الحجاب للمرأة والأمير، فإن للفقراء (الصوفية) حظاً وافراً من هذا الحجاب؛ ولا سيما أن الفقراء لهم صِلات حميمة بالأمراء وأصحاب النفوذ في القديم والحديث، ومن ذلك أن صوفياً وعظ أحد الأمراء الظَّلَمة فأعطاه شيئاً فقبله، فقال الظالم: كلنا صيَّادون، وإنما الشباك تختلف (٥)، بل ربما أفضى بهم الحال إلى تأييد الأعداء والمستعمرين.

وقد وصف ابن تيمية الصوفية قائلاً: «بل أكثرهم يكرهون متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهم مِنْ أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون أعداءه ويدَّعون محبته» (٦).

ومن ذلك أن صوفية داغستان جاهرت بتأييدها للزعيم الشيوعي «لينين»، وصوفية العراق باركت الاحتلال الأمريكي للعراق، وصوفية مصر تقيم المظاهرات لأجل تأييد حسني مبارك (٧).


(١) فكر ومباحث، ص١٢٢ = بتصرف يسير.
(٢) ينظر: فتاوى صديق حسن، ص١٠٧، والمنتظم لابن الجوزي: ١٣/ ١٧٤.
(٣) ينظر: فتاوى صديق حسن، ص١٠٨.
(٤) شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص١٧.
(٥) ينظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي، ص٢٠٧.
(٦) منهاج السنة: ٥/ ٣٢٩.
(٧) انظر تفصيل ذلك في كتاب التصوف للمقدي، ص٨١ - ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>