للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حلقات التحفيظ .. توقف وعودة]

أحمد بن عبد العزيز الحمدان

٢٢ محرم ١٤٣١هـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.

فإن من أعظم ما يجب صرف الهمم إليه في تربية الأبناء: تعليمهم كتاب الله تعالى، الذي جعل الله نجاة الأمة وعزتها ورفعتها منوطة بتعلمه وتعليمه والاعتصام به، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} *الزخرف: ٤٤* أي: إن القرآن العظيم لفخر لك وللمؤمنين به ومنقبة جليلة لكم، ونعمة لا يقدر قدرها إلاّ العاملون العاقلون، وهو ذكر لكم يذكركم بخيري الدنيا والآخرة، وسوف تسألون عنه، هل أديتم حقه حتى انتفعتم وارتفعتم به، أم جعلتموه وراء ظهوركم كما صنعت الأمم السابقة بكتبها؟ فـ ((القرآن حجة لك أو عليك))

وأمة الإسلام إنما أعزها الله تعالى بكتابه، فمتى تأخرت عنه مقتها الله وأخرها، ومتى اعتصمت به وفقها وقدمها، قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))، فلا عزة ولا رفعة لنا إلاّ باعتصامنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فنحن أمة أعزها الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وقد دلّ القرآن على أن الناس فيهم كريم يرفعه الله بالقرآن، ولئيم يهينه الله بهجره القرآن.

ولقد جرب أبناء المسلمين بعد أن استخربت ديارهم مناهج عدة، فما جنوا من شوكها إلا الحنظل، وآن لهم أن يوقنوا أنهم لن ينهضوا من كبوتها، ولن تصلح أحوالهم، ولن ينالوا عزتهم، ولن ينالوا موعود ربهم بالخيرية إلا باعتصامهم بالقرآن العظيم؛ إيماناً وتعلماً وتعليماً وعملاً وصبراً.

ومن عظيم النماذج التي ضربها سلفنا الصالح في التضحية في باب تعليم القرآن الكريم: التابعي أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله، الذي جلس للناس يعلمهم القرآن من خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه إلى زمن الحجاج بن يوسف، وكان بين تولي الأول وهلاك الآخر اثنتان وسبعون سنة، وكان إذا سئل عما أجلسه للناس مجلسه هذا معلماً؟ قال: سمعت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وكان أبو عبد الرحمن يقول: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.

قال السيوطي رحمه الله: تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها.

وقال ابن خلدون رحمه الله: تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي بني عليه ما يحصل بعد من الملكات.

ومن الأمثلة المشرفة الواقعة الآن أنه نشرت الصحف المحلية في ١٠/ ١/١٤٣٢هـ إعلان مدير (المركز الوطني للقياس والتقويم) الأمير الدكتور فيصل المشاري نتائج اختبارات القدرات التي أجراها المركز لطلاب المرحلة الثانوية على مستوى المملكة فحصدت (مدارس تحفيظ القرآن الكريم الحكومية والأهلية للبنين والبنات) التي تعد قطرة في بحر آلاف المدارس المراكز الأولى في التخصصات النظرية لثلاث سنوات متتالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>