للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فقه التيسير: الواجهة الخلفية للعصرانية]

أحمد بن صالح الزهراني

٧ ذو الحجة ١٤٣١هـ

لاشكّ أنّ العصرانيّة أو الليبرالية الإسلامية أو العلمانية في ثوبها الجديد تتفق على أسلوب خطير في حربها للقيم الشرعية، ألا وهو الحرب من داخل صفوف الخصم، بمعنى استنبات أو دعم وإبراز عيّنات في صفوف الإسلاميين تبقى منتسبة للصف الإسلامي من حيث الاسم والمظهر، لكنّها من حيث الحقيقة والمضمون لا يُعلم لها وجه من قفا؛ فهي تتحدث عن الإسلام وللإسلام كثيراً، لكنّه كلام وحديث يصبّ في جعبة الخصم، وهذه العينات متفاوتة في السمات والخصائص، والتخصصات كذلك، لكنّ أشدّهم عبثاً ونكاية في الشريعة هم الشرعيّون، أعني من كانت بدايته وشهرته في العلم الشرعي تلقّياً وأداءً وإفتاء.

ولهذا ظهرت في وقتنا مناهج جديدةٌ للتفقّه والإفتاء عجيبةٌ غريبةٌ، روّجها أدعياء دخلاء على الفقه بمعناه الصّحيح، الفقه الّذي جاء عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وتابعيهم بإحسان، وعليه تفقّه الأئمّة الأربعة، الفقه القائم على الكتاب والسنّة، والتأمّل فيهما في ضوء منهج السّلف الصّالح، لا بمنهجٍ منفلتٍ، يتلمّس الثغرات، ويبحث عن هفوات الأئمّة، وأخطاء الفقهاء ليصيّرها مذاهب فقهيةً، وآراء علميةً يتصدّر بها مجالس الفقه والإفتاء، ويزعم التّجديد في الفقه والشّريعة، «وقد قيل: إنّما يفسد النّاس نصف متكلّمٍ، ونصف فقيهٍ، ونصف نحويّ، ونصف طبيبٍ، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللّسان، وهذا يفسد الأبدان».

وهذا الأمر ندر من يتكلّم فيه، ويبيّن دخنه وزغله، بل يُتّهم من يتكلّم فيه أنّه حاسدٌ، وأنه منفّرٌ، وأنّه ضدّ أيّ عملٍ ناجح، وأنّه مثاليٌّ لا واقعيّ، ويُقال له: إنّ الأمة بحاجةٍ لكلّ جهدٍ، وإنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- أمر كلّ النّاس بتبليغ الدّين .. إلى آخر هذه التلبيسات الّتي روّجها بعض من لا يستطيع الحياة والعمل إلاّ تحت أجواء السكوت عن الباطل، والمجاملة في الحق، والله المستعان.

قال السّخاوي ـ رحمه الله ـ في ذكره الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره: «ويلتحق بذلك المتساهل في الفتوى، أو التّصنيف، أو الأحكام، أو الشهادات، أو النّقل، أو الوعظ، حيث يذكر الأكاذيب وما لا أصل له على رؤوس العوام».

التساهل في الفتوى له عند صاحبه مسوّغات عديدة، ولعلّ أسوأها وأشدّها خطراً ما يسمّى عند أصحابه (فقه التيسير) أو الفقه المتسامح، ومصدر خطورته أنّه تجاوز مرحلة خطأ المسلك الفردي، بل أصبح منهجاً ومقصداً بذاته، ثمّ أصبح بعد ذلك واجهة خلفيّة شرعية ومرجعاً علمياً لكل الدعوات العلمانية والعصرانية والليبرالية وغيرها من تشكّلات النفاق المعاصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>