للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة: حدود عورة المرأة أمام المرأة]

علوي بن عبد القادر السقاف

المشرف العام على مؤسسة الدرر السنية

٢٢ شوال ١٤٣١هـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين

أما بعد:

فإن من الواجبات المتعين على أهل العلم القيام بها تعليم الناس، ومن أوجب هذه الواجبات تعليمهم ما خفي وتلبس عليهم وما عمت بها البلوى وتساهل فيه كثير من الناس حتى أصبح المعروف فيها منكراً، وبات المنكر معروفاً، ومن ذلك مسألة العورات، وبالأخص عورة المرأة على المرأة.

والمرأة لا تخلو من أن تكون: إما مسلمة وإما كافرة، والمسلمة إما عفيفة أو فاجرة.

فأما عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة فللعلماء فيها قولان:

القول الأول: وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء إلى أنها من السرة إلى الركبة، وإليه ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وهو الأصح عند الحنفية [المبسوط للسرخسي ١٠/ ٢٥٤، مواهب الجليل ٢/ ١٨٠، المجموع شرح المهذب ٣/ ١٦٧،الروض المربع ١/ ٣٣٢] ويرى بعض أهل العلم وهو رواية عن أبي حنيفة أن المرأة تنظر من المرأة ما يراه الرجل من محارمه، وهو مواضع الزينة [البحر الرائق ٨/ ٢١٩] فتنظر إلى الرأس والوجه والعنق والعضد والساق.

ومما استدل به الجمهور:

أنه ليس في نظر المرأة إلى المرأة خوف إثارة للشهوة أو الوقوع في الفتنة كما في نظر الرجل إلى الرجل، فنظر الجنس إلى الجنس أخف لانعدام الشهوة غالبا لوجود المجانسة، والغالب كالمتحقق.

كذلك من أدلتهم إجماع أهل العلم على جواز قيام المرأة بتغسيل المرأة كما يغسل الرجل الرجل، فكما للرجل الاطلاع على ما فوق السرة ودون الركبة من الرجل حياً وميتاً، فيجوز إذاً أن تُظهر المرأة للمرأة ما فوق السرة ودون الركبة لوجود المجانسة التي تبيح ذلك، فالناظر والمنظور إليه كلاهما من النساء.

وأجيب عن الأول بأن ما ذكروه غير مضطرد فالأمرد من جنس الرجال ومع ذلك اعتبره جمهور الفقهاء في حق نظر الرجال إليه بالمرأة، ولم يعتبروه بجنسه.

وأما الثاني فلا حجة فيه؛ لأن الغسل ليس فيه إباحة إطلاق النظر، فضلاً عن أن يكون فيه جواز تعرية المرأة، فالمشروع في الغسل أن يكون من فوق الثوب، وهذا إذا قيل بالتساوي بين حالتي الحياة والموت. والآية (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) تخاطب المرأة بالنهي عن إبداء الزينة الخفية بالاختيار إلا لمن ذكر فيها ومن في حكمهم بالقدر المعروف شرعاً وعرفاً.

وأما كشف ما فوق السرة لغير الزوج في حال ضرورة، أو ظهور شيء من بدن المرأة سواء كان ذلك في حال الضرورة أو عدم التكليف فليس من هذا الباب.

ولعل الراجح هو القول الثاني وذلك لأن الله تعالى قال: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن- إلى قوله- أو نسائهن}.

والمقصود بالزينة مواضعها، فالخاتم موضعه الكف، والسوار موضعه الذراع، والقرط موضعه الأذن، والقلادة موضعها العنق والصدر، والخلخال موضعه الساق، وقد جمعت الآية بين محارم المرأة ونسائهن، وساوت بينهم فيما ينظرون إليه وهو مواضع الزينة من بدنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>