للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعليم المختلط في الصفوف الأولية نظرات علمية (٢)]

إبراهيم بن عبد الله الأزرق

أشعر بشيء من الأسف أحياناً عندما أُراني محتاجاً لإقناع مسلم عاقل بالغ بقول الله تعالى: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: ٣٦]! ولعلك تعجب إن علمت أن الجدل في هذا المعنى كان محتدماً بين الغربيين منذ أوائل القرن الماضي، ولعلي أعرض إليه لاحقاً في مقالة مستقلة لتعرف حال الجهل التي نشأ فيه الاختلاط في التعليم بالدول الغربية! أما الآن فأكتفي في صدد ذكري للفروق التي تقضي بالفصل بين الجنسين في التعليم الابتدائي ولو في صفوفه الأولية بالإشارة إلى ما أصدرته الأكاديمية الوطنية للعلوم بأمريكا، ( National Academy of Sciences) في عام (٢٠٠١م) من تقرير بعنوان: "هل الجنس ذو أهمية؟ " قررت فيه أهمية اعتبار فروق الجنس.

فأكد وجود فروق إحيائية ثابتة بين الجنسين، وأن هذه الفروق أبعد من كونها مجرد فروق عضوية، كالاختلافات الواضحة في بعض أجهزة الجسم.

بل إن هناك فروق متشعبة مسلّم بها في التكوين "الكيميا إحيائي"، ( biochemistries) لكل من خلية الرجل، وخلية المرأة.

ونص التقرير على أن هذه الفروق ليست ناجمة بالضرورة عن الخلاف في تركيبة الغدد الصماء وإفرازاتها الهرمونية. بل هي نتيجة مباشرة للفروق الجنسية بين الذكر والأنثى. ويحسن التنبيه هنا إلى أن مجرد اختلاف معدلات الهرمونات له أثره على السلوك وطريقة التعليم المتبعة مع كل جنس، فمثلاً انخفاض معدل هرمون السيروتونين ( Serotonin) ، وارتفاع عمليات التمثيل أو الأيض لدى الذكور يسبب تصرفات تلقائية تدل على الملل ولاسيما إذا حصر الطالب في مكان ضيق كدرج وكرسي، وتلك التصرفات التلقائية تسبب بالمقابل تشتيتاً لانتباه البنات، كما أن تلك الخاصية تدفع المعلمين للانشغال بالأولاد وإسكاتهم، وهذا بدوره يشوش على البنات، لذلك ينصح بالتوقف أثناء الدرس ٦٠ ثانية من وقت لآخر، عند تعليم الأولاد في جميع الأعمار، كما أن السماح للطالب بتحريك شيء في يده بهدوء أمر مفيد لأنه يحفز دماغه، ويهدؤه (١)، ولا يزعج غيره من الأولاد بخلاف الإناث وقد أشير إلى هذا في المقالة سابقة.

وعوداً إلى التقرير فقد خصص فصلاً كاملاً يحلل فيه الفروق النفسية، والعوامل السلوكية، ليرجعها أولاً وأخيراً إلى الفروق في التكوين الجنسي، والتركيب العضوي، الذي يتأثر جزئياً بالبيئة.

وإذا كان الأمر كذلك فإن لكل جنس ما يناسب نفسيته من الطرق التعليمية ويتلاءم مع سلوكه، وهذا الأمر لن يتأتى في أوساط تعليمية مختلطة لا تميز بين ذكر وأنثى.

لقد أقر التقرير الغربي عام ألفين وواحد! بصدق قول الله عز وجل: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: ٣٦]، فهل يقر بذلك أقوام من بني جلدتنا يصرون اليوم على جعل فلذات الأكباد فئراناً لتجارب محسومة سلفاً؟!

وإليهم اليوم أسوق في هذه المقالة أحد الفروق العضوية بين البنين والبنات وأثره على التعليم في المراحل الابتدائية بل ما قبلها لعل مريد الحق منهم يعتبر.

أوضحت بعض الدراسات أن الذكور يتفوقون على الإناث في الحركات الكبرى العامة؛ كالقفز، أو الجري، بينما تتفوق البنات في الحركات الدقيقة؛ كالكتابة، أو القص بالمقص، أو الحركات التي تحتاج إلى تناسق مثل القفز في مواضع محددة، أو من خلال حلقة (٢).


(١) Gurian: Boys and Girls Learn Differently! , p. ٥٧.
(٢) ينظر علم نفس المراحل العمرية النمو من الحمل للشيخوخة والهرم، لعمر عبد الرحمن المفدى، ص٢٥٥، ط الثانية ١٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>