للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تتبع الرخص]

هشام السعيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

هذا بحث موجز في حقيقة المراد بتتبع الرخص وكلام أهل العلم في حكمه، وقد تكلم غالب الأصوليين في (تتبع الرخص) عقيب كلامهم في مسألة (التزام العامي مذهباً معيناً) من حيث إنها مبنية على مسألة التزام المذهب ومخرّجة عليها (١).

وقد جعلت الكلام فيه وفق الخطة الآتية:

• المبحث الأول: حقيقة تتبع الرخص.

• وفيه مطلبان:

المطلب الأول: المراد بتتبع الرخص.

المطلب الثاني: الفرق بين تتبع الرخص والتلفيق.

• المبحث الثاني: حكم تتبع الرخص.

أسأل الله _تعالى_ أن ينفع به، وأن يجعله خالصاً صواباً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

• المبحث الأول: حقيقة تتبع الرخص.

• وفيه مطلبان:

المطلب الأول: المراد بتتبع الرخص.

١ - الإطلاق اللغوي:

تطلق الرُّخُْصَة (بإسكان الخاء وضمها) في اللغة، ويراد بها: التخفيف والتسهيل والتيسير، وأصل الكلمة كما يقول ابن فارس "يدلّ على لينٍ وخلاف شدة" (٢).

٢ - الإطلاق الاصطلاحي:

يظهر من خلال تتبّع استعمالات أهل العلم لكلمة (الرخصة) أن لها في عُرفهم معنيين:

الأول: الرخصة الشرعية؛ وهي (ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح) (٣)، وهي التي تطلق في مقابل (العزيمة).

وهذا الاستعمال غير مراد في هذا البحث؛ لأنه لا إشكال في الأخذ بها، بل دلّت النصوص الشرعية على مشروعية الأخذ بها، كما في قوله: "عليكم برخصة الله الذي رخص لكم" (٤).

الثاني: الرخصة الفقهية، وهو المراد هنا، وقد جاء هذا المعنى وفق الاستعمال اللغوي؛ فهو بمعنى التسهيل والتخفيف، وتتبع الرخص هو طلب التخفيف في الأحكام الشرعية.

وقد ذكر جمع من أهل العلم تعريفات لتتبع الرخص، أذكر منها ما وقفت عليه:

١ - عرفه الزركشي بأنه: "اختيار المرء من كل مذهب ما هو الأهون عليه" (٥).

٢ - وعرّفه الجلال المحلي بقوله: "إن يأخذ من كل مذهب ما هو الأهون فيما يقع من المسائل" (٦).

٣ - وحكى الدسوقي وغيره من المالكية تعريفين:

الأول: "رفع مشقة التكليف باتباع كل سهل".

الثاني:"ما يُنقض به حكمُ الحاكم من مخالفِ النص وجلي القياس" (٧).

٤ - وعرّفه المجمع الفقهي بأنه: "ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحاً لأمرٍ في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره" (٨).

٥ - وعرّفه بعض الباحثين بأنه: "تطلّب السهولة واليسر في الأحكام، فمتى ما رأى المتتبع للرخص الحكم سهلاً في مذهب سلكه وقلّده فيه، وإن كان مخالفاً لمذهبه هو الذي يلتزم تقليده" (٩).

المطلب الثاني: الفرق بين تتبع الرخص والتلفيق.

يمكن إيضاح الفروق بين الأمرين في الآتي (١٠):


(١) انظر: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني (٢/ ٤٠٠)، البحر المحيط (٨/ ٣٧٥ - ٣٨١)، الموافقات (٥/ ٧٩)، شرح تنقيح الفصول (ص٤٣٢)، إرشاد الفحول (٢/ ٣٦٧)، التحبير (٨/ ٤٠٩٠)، تيسير التحرير (٤/ ٢٥٤)، فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦).
(٢) معجم مقاييس اللغة (ص٤٤٧)، وانظر مادة (رخص) في: المصباح المنير (ص٨٥)، القاموس المحيط (ص٨٠٠).
(٣) انظر: الإحكام للآمدي (١/ ١٣٢)، شرح العضد (٢/ ٧)، شرح الكوكب المنير (١/ ٤٧٨)، أصول السرخسي (١/ ١١٧).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام (٢/ ٧٨٦).
(٥) انظر: البحر المحيط (٨/ ٣٨١).
(٦) شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني (٢/ ٤٠٠).
(٧) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (١/ ٢٠)، بلغة السالك (١/ ١٩).
(٨) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص١٥٩ - ١٦٠).
(٩) التقليد في الشريعة الإسلامية، د. عبد الله الشنقيطي (ص١٤٧).
(١٠) أومأ إلى شيء من ذلك العطار في حاشيته على شرح المحلي (٢/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>