للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترجيح في حكم النشيد]

صالح بن أحمد الغزالي

من المعلوم أنَّ النشيد بصورته الحاضرة من المسائل المستجدة التي لم يُسبق بحثها في كتب أهل العلم المتقدمين، وهذا داع إلى العناية بذكر حكمه مفصلا، ويضاف إليه الدواعي التالية:

١ - كثرة متعلقات النشيد، (الألحان، الكلمات، المقاصد، وغير ذلك من وقت السماع وكيفيته ... الخ) وتنوعها.

٢ - قوة الخلاف في حكمه، وقد مرّت صورة واضحة من خلال عرض الأقوال، والأدلة السابقة.

٣ - عموم الحاجة إلى معرفة حكم النشيد؛ لكثرته وانتشاره الواسع، خصوصا بعد انتشار أجهزة التسجيل وأشرطة الكاسيت، لهذه الأسباب وغيرها كان من المناسب بسط الحديث عن النشيد ومتعلقاته، وبيان حكمه التفصيلي.

وإليك بيان ذلك مستعينا بالله، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وما توفيقي إلا بالله.

الحكم التفصيلي للنشيد:

قبل معرفة الحكم التفصيلي للنشيد لابد من التنبيه إلى أمرين:

الأول: أن ما يعرف - الآن - بالنشيد الإسلامي أنواع مختلفة، ومتباينة من حيث الألحان والكلمات والمقاصد فيجب التفصيل عند بيان الحكم بين أنواعه المختلفة لا الإجمال والتعميم، قال ابن القيم (١) - رحمه الله -:

فعليك بالتفصيل والتمييز ... قد أفسدا هذا الوجود وخبّطا

فالإطلاق والإجمال دون بيان ... الأذهان والآراءَ كلّ زمان

وقال الشيخ محمد العثيمين (٢) - رحمه الله - بخصوص التفصيل عند بيان حكم النشيد:" واعلم انه في هذا الباب لا تكاد تجد أحداً يفرق بين ما كان مشروعا (٣) وغير مشروع، ولهذا أرى أن الأناشيد لابد أن تُعرض - قبل أن تُسمع - على طالب علم يميز بين الصحيح وغير الصحيح، ثم بعد ذلك تأخذ الحكم".

الثاني: وأن كثيرا مما قاله أصحاب الرأيين (المانع، والمبيح) في حق النشيد حق وصواب، ولكن في بعض أنواعه لا في جميعها، فمثلا:

من قال أن الأناشيد ليست من جنس الغناء الملحن المطرب، صح هذا في بعض الأناشيد دون بعضها، التي تشبه ألحان الأغاني، أو هي من جنسها.

فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها

ومن قال أن سماع الأناشيد يُلهي عن ذكر الله وتلاوة القرآن، صح هذا في حق كثير من المستمعين، دون من تقيد بسماعه في المناسبات دون غيرها من الأوقات.

ومن قال أن الأناشيد طريق لدخول الأفكار القومية والبدع الصوفية، صح هذا في بعض الأناشيد دون بعضها، والذي يخلو من ذلك، وتلتزم كلماته بالمعاني الشرعية الصحيحة.

ومن قال أن سماع الأناشيد ليس من جنس السماع الصوفي المحدث، صح هذا في حق البعض، ولم يصح في حق من التهى عن سماع القرآن ومواعظه بسماع النشيد ومواعظه.

الحكم التفصيلي للنشيد:

اعلم - رعاك الله - أن النشيد تتنازعه ثلاثة أصول:

الحُداء والنَصْب أصل، والغناء المعروف عند أهل الغناء أصل، والسماع الصوفي المحدث أصل. فما وافقت صفاته من الأناشيد أحد هذه الأصول، سواء في الألحان، أو الكلمات، أو المقاصد، أُلحق به في الحكم، كما هي القاعدة القياسية الأصولية في الفرع الذي يتنازعه أكثر من أصل، فيُلحق بأكثرهم شبها.

قال الناظم (٤) - رحمه الله - عند بيان النوع الثالث من أنواع القياس:

والثالث الفرع الذي ترددَ فيلتحق بأي ذين أكثرَ

ما بين أصلين اعتبارا وُجدا من غيره في وصفه الذي يُرى


(١) متن القصيدتين النونية والميمية، ابن القيم (ص: ٣٨).
(٢) البيان المفيد، جمع: السليماني (ص: ١٤).
(٣) [أي: إباحة الشرع، لا أنه من الدين والشرع]
(٤) لطائف الإرشادات على تسهيل الطرقات لنظم الورقات، نظم شرف الدين يحيى العمريطي (ص: ٥٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>