للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الموالاة: معناها ومظاهرها]

أبو مريم محمد الجريتلي

إنَّ الحمد لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

أمَّا بعدُ:

فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدْي هدْيُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثَاتُها، وكلَّ محدثة بدْعة، وكل بدْعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فلقد رأيتُ لأهل العلْم كلامًا كثيرًا في باب الموَالاة بين مُقلٍّ ومكثرٍ، ومُجملٍ ومفصِّلٍ، وكلٌّ له الفضْل والسبق؛ فكتبتُ لنفسي كلمات في هذا الباب أشْبه بالملخَّص للدِّراسة، فأشار عليَّ مَن رآه من أهلِ العلم أن أرَتِّبه وأعرضه على طلَبة العلم في حلق الدراسة، فلقي قبولاً - ولله الحمد والمنَّة - فسطرته في هذه المقالة؛ راجيًا من الله أن تعمَّ الفائدةُ، فيعظم الأجر، والله المستعان، وعليه التكلان.

تعريف المُوَالاة:

يقول ابنُ تيميَّة - رحمه الله -: " (الولاية) ضد العَداوة، وأصل الولاية المحبَّة والقُرب، وأصل العداوة البغض والبعد، وقد قيل: إنَّ الولي سُمِّي وليًّا من موالاته للطاعات؛ أي: متابعته لها، والأول أصَحُّ، والولِيُّ: القريب، فيقال: هذا يلي هذا؛ أي: يقرب منه، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألحقوا الفرائض بأهلِها، فما أبقت الفرائض فَلأَوْلَى رجلٍ ذَكَر)) (١)؛ أي: لأقرب رجل إلى الميت، فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه - كان المعادي لوليه مُعاديًا له؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (٢)، فمَن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومَن عاداه فقد حارَبَهُ، فلهذا قال: ((ومَن عادى لي وليًّا، فقد بارَزَنِي بالمُحَاربة)) (٣).

صوَر الموالاة ومظاهرها:

تدور الموالاة حول ثلاثة أصول:

١ - الحب والمودَّة:

قال تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (٤).

يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "ونظائر هذا في غير موضعٍ من القرآن، يأمُر - سبحانه - بِمُوالاة المؤمنين حقًّا، الذين هم حِزْب الله وجُنده، ويُخبر أنَّ هؤلاء لا يُوالون الكفُّار، ولا يوادونهم" (٥).


(١) رواه البخاري: (٦٧٣٢/ كتاب الفرائض)، ورواه مسلم: (١٦١٥/ كتاب الفرائض).
(٢) [الممتحنة: ١].
(٣) رواه البخاري: (٦٥٠٢/ كتاب الرقائق/ باب: التواضع).
(٤) [المجادلة: ٢٢].
(٥) "اقتضاء الصراط المستقيم" ص٤٨، (ط. دار الحديث).

<<  <  ج: ص:  >  >>