للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رسالة إلى أئمة المساجد بمناسبة شهر رمضان المبارك]

الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

الحمد لله العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

أما بعد:

فهذه رسالة سطرتها موجهة إلى من وفَّقه الله تعالى وتشرف بإمامة المصلين عموماً وفي هذا الشهر الفضيل خصوصاً، دوَّنت فيها ما رأيت أن الحاجة داعية إلى بيانه حسب ما سمعت وعلمت من الملاحظات التي ظهرت وتظهر على كثير من الأئمة في زماننا هذا، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

أولاً: من شعائر شهر رمضان المبارك قراءة القرآن في صلاة التراويح، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (سنة باتفاق المسلمين، بل من جُلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله، فإن شهر رمضان فيه أنزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) (١).

وعليه فينبغي للإمام ملاحظة ما يلي: -

١ - أن تكون قراءته سمحة لا تكلف فيها ولا تصنّع ولا تقليد؛ لأن النفوس تقبل القراءة السهلة وتستحليها؛ لموافقتها الطبع وعدم التكلف، أما ما يحتاج إلى شيء من ذلك فقد كرهه سلف هذه الأمة وعابوه. يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: (وأنصح كل مسلم قارئ لكتاب الله تعالى وبخاصة أئمة المساجد أن يكفوا عن المحاكاة والتقليد في كلام رب العالمين، فكلام الله أجل، وأعظم من أن يَجْلِبَ له القارئ ما لم يُطلب منه شرعاً، زائداً على تحسين الصوت حسب وسعه، لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة. وقد قال الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وما أنا من المتكلفين) وليجتهد العبد في حضور القلب، وإصلاح النية، فيقرأ القرآن محسناً به صوته من غير تكلف، وليجتنب التكلف من الأنغام، والتقعر في القراءة، والممنوع من حرمة الأداء) (٢).

ولا بأس بقراءة الحدر، وهي إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها، وسرعتها بما يوافق طبع القارئ ويَخِفُّ عليه.

أما السرعة المفرطة، أو هذُّ القرآن كهذِّ الشعر، فإنه لا يتأتى معه تدبر بحال، وقد يصل ذلك إلى التحريم إذا كان فيه إخلال باللفظ؛ لأنه تغيير للقرآن.

فإن كانت السرعة ليس فيها إخلال باللفظ بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما لا يصح إدغامه، فلا بأس بها؛ لأن من الناس من يسهل على لسانه لفظ القرآن.

٢ - لقد أثنى الله تعالى على أهل الخشوع عند تلاوة كتابه، فقال تعالى: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) فبكاء الخوف والخشية مطلوب بلا تكلف، وهو لا يكون إلا بعد الخشوع، والخشوع: هو التذلل والتطامن، وهو يكون في القلب أو في البصر أو الصوت، قال النووي (البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين) (٣).

أما ما كان مستدعى متكلفاً فهو التباكي، والمحمود منه ما استُجْلبَ لرقة القلب، وخشية الله تعالى لا لقصد الرياء والسمعة، وعلامة المحمود في الغالب صلاح القلب، واستقامة الجوارح على الطاعة. وينبغي للإمام مغالبة نفسه بحيث لا يُسمع له صوت، ولا يُرى له دمع، لا أن يفرح بذلك بقصد إظهاره للناس، ونحن نحسن الظن بالأئمة، وحسب المسلم الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد عن مطرّف بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الِمْرجَلِ من البكاء (٤).


(١) الفتاوى: (٢٣/ ١٢٢)
(٢) بدع القراء ص (٥٥).
(٣) التبيان (ص ٤٧).
(٤) رواه أبو داود (٩٠٤)، والترمذي في " الشمائل " (٣١٦)،والنسائي (٣/ ١٣)، وأحمد (٢٦/ ٢٣٨ - ٢٣٩)، وإسناده صحيح. والأزيز: الصوت، والمرجل: القدر، فإنه عند غليان الماء فيه بالنار يخرج منه صوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>