للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر، والقنوت أمر ظاهر، لأنه دعاء ورفع يدين، فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله دائماً أو غالباً لنقله مَن كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم كعائشة رضي الله عنها، والله أعلم. وإنما أُخذت سُنية القنوت من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه الدعاء المأثور: «اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيكَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيتَ» (١)، -على القول بثبوت لفظة: «قنوت الوتر» - قال الحافظ في "التلخيص": "قال الخلال عن أحمد: لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن عمر كان يقنت" (٢)، وقال الإمام ابن خزيمة: "ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر ... " (٣)،وقد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يقنتون، فقد ورد عن عطاء، وقد سئل عن القنوت، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه (٤). وكان ابن عمر لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان (٥).وقال الإمام الزهري: لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الآخر من رمضان (٦). وقال الإمام أبو داود: قلت لأحمد: القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شاء، قلت فما تختار؟ قال أما أنا فلا أقنت إلا في النصف الباقي، إلا أن أصلي خلف الإمام فيقنت، فأقنت معه (٧). وعلى هذا فمداومة أئمة المساجد على القنوت في رمضان بحيث لا يتركونه إلا قليلاً يحتاج إلى دليل.


(١) أخرجه أبو داود (١٤٢٥)، والترمذي (٤٦٤)، وليس عنده: «ولا يعز من عاديت» والنسائي (٣/ ٢٤٨)، وابن ماجه (١١٧٨)، وأحمد (٣/ ٢٤٧)، والحاكم (٣/ ١٧٢)، والبيهقي (٢/ ٢٠٩)، كلهم من طريق أبي إسحاق، عن بُريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن به، ورواه أحمد -أيضاً- (٣/ ٢٤٥) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن بُريد ... بمثله، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .... ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن من هذا "وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وصححه النووي في "الخلاصة" (١/ ٤٥٥)، والألباني في "الإرواء" (٢/ ١٧٢)، لكن طعن بعض الحفاظ كابن خزيمة في لفظة: «في قنوت الوتر» وذلك لأن شعبة رواه عن بُريد بن أبي مريم كما في "المسند" (٣/ ٢٤٨ - ٢٤٩) ولم يذكر القنوت ولا الوتر، ولفظه: «كان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت ... »، وشعبة أوثق من كل من رواه عن بُريد، كأبي إسحاق وابنه يونس، وعلى قاعدة المحققين في زيادة الثقة يحكم على هذه اللفظة بالشذوذ، ولا يكون هذا الدعاء مختصاً بالقنوت. انظر: "صحيح ابن خزيمة" (٢/ ١٥٢ - ١٥٣)، "التلخيص" (١/ ٢٦٤).
(٢) "التلخيص الحبير" (٢/ ١٩).
(٣) "صحيح ابن خزيمة" (٢/ ١٥١).
(٤) مختصر قيام الليل ص (٢٨٩)
(٥) رواه ابن أبي شيبه (٢/ ٣٠٥) وانظر مختصر قيام الليل ص ٢٨٩
(٦) رواه عبد الرزاق (٣/ ١٢١)
(٧) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص (٦٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>