للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتنطسونه- يكثرون البحث عنه ويدققون فيه النظر- حتى تأكد لهم أن الخبر صحيح والبيعة قد تمت فعلا وذلك بعد ما نفر الحجيج إلى مواطنهم فسارع فرسانهم بمطاردة اليثربيين ولكن بعد فوات الأوان، إلا أنهم تمكنوا من رؤية سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فألقوا القبض عليه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم إذ كان سعد يجير لهما قوافلهما المارة بالمدينة، وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه فإذا هو قد طلع عليهم فوصل القوم جميعا إلى المدينة. (١)

قال ابن إسحاق: فلما أذن الله لرسوله في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن تبعه وأوى إليهم المسلمون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، وقال: إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها فخرجوا أرسالا.

نشير في بداية التحليل لوقائع هذه البيعة بأنها بالرغم مما تحمل من صورة الحرب وما أطلق عليها بعد أنها بيعة الحرب، إلا أنها تمت بأعمق تخطيط سياسي شهده التاريخ، حيث انبثقت دولة الإسلام وتم تحديد معالمها وقيادتها وهي جزيرة صغيرة وسط خضم من الشرك مثله العرب جميعا من حجاج منى أولا ثم دولة مكة المشركة ثانيا ثم قيادة المشركين من أهل يثرب ثالثا، ثم دولة اليهود في المدينة رابعا. وسط هذا العدو العاتي والمحيط بالمسلمين من كل جانب إحاطة


(١) الرحيق المختوم للمباركفوري والصفحات ١٦٤ - ١٧٢ باختصار، وقد استقاها من ابن هشام وزاد المعاد ومسند الإمام أحمد، ومختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب وبعض كتب الحديث.

<<  <   >  >>