للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما بلغت القلوب هذا الحد من امتهان الانثى، فلا عجب حينئذٍ ان توأد البنت. فأنتشرت تلك العادة القبيحة في المجتمع الجاهلي انذاك، واستمرت جيلاً بعد جيل. ولاهمية تلك المسألة وخطورتها سلط القرآن الكريم الضوء عليها منذ أول دعوته ((وإذا المَؤودة سُئلت باي ذنب قتلت)) (١).

وكان الوأد يتم بدفن البنت حية، ويتفنون في ذلك بصور شتى، فمنهم من إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها ثم يقول: لامها: طيبها وزينيها حتى إذهب بها إلى احمائها! وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيه ثم يدفعها دفعاً، ثم يهيل التراب عليها، وكان عند بعضهم إذا جاء إلام المخاض جلست فوق حفرة مهيئة فإذا كان المولود بنتاً رمت بها فيها وردمتها، وان كان ابنا قامت به معها!! وبعضهم كان إذا نوى ألاّ يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى ان تقدر على الرعي فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له ابله. فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهنّ للرعي فكانت لهم وسائل اخرى لإذاقتها الخسف والبخس (٢).

فيا لله ما هذا؟!! أهؤلاء يملكون عاطفة الأبوة؟! أم إحساس انسان؟ ولما جاء الإسلام كان لزاماً ان يصطدم بهذا المنكر القبيح فصرخ الإسلام بإنكارها في إذان الجاهليين ((ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم وإياكم ان قتلتم كان خطأ كبيراً)) (٣).

ولما كان الإسلام دين الرحمة، دين المساواة، دين الحياة، دين الواقعية فلابد من اعطاء بديل عن فكرة "الاملاق" عند الرجل الذي أنتقل من الجاهلية إلى الإسلام. فاعطاهم الله الثواب الاعظم للصبر على تربية الاناث وجزاهم جزيل الاجر، فمن اعطاه الله بنتاً أو اكثر فرباها واحسن اليها وادبها فان النار تحرم عليه يوم القيامة وتكون تلك البنت شافعة له منها.

يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من ابتلى بشيء من هذه البنات فأحسن صحبتهنّ كنّ له ستراً من النار)) (٤).


(١) التكوير/ ٨.
(٢) انظر تفسير القرآن العظيم، إبن كثير٤/ ٤٧٨، وفي ظلال القرآن ٦/ ٣٨٣٩.
(٣) الاسراء/ ٣١.
(٤) انظر تخريجه برقم (١٤٥).

<<  <   >  >>