للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان في أول أمره، يضرب أقرانه من الصبيان، وينزع منهم ما بأيديهم: فاتفق إنه سطى ذات يوم على صبي فضربه، فانتصرت له أمه، وسبت المختار بن بون سباً قبيحاً، وعيرته بالجهل، فأنف لذلك، وسار من غير علم أبويه، يريد المختار ابن حبيب، فوصل اليه، وشرع في قراءة الأجرومية، فلم يفهمها، ثم فتح الله عليه.

حدثني الأديب محمد أبَات بن عبد الباقي بن المختار صاحب الترجمة: أن المختار كان عند شيخه المذكور، وكان لشيخه ختن يغيب عنه ثم يجيء، فيبنى له خباء يقيم فيه مع أهله أياما، ثم ينصرف على عادة أهل تلك البلاد، أعنى أهل البادية، قبل أن ينقل أهله إلى محله المخصوص، فإذا ذهب، يطوى ذلك الخباء، ويجعل

عليه شيء من الشجر يقيه وطأ الدواب، فإذا رجع بنى له الخباء أيضا.

قال: فاتفق إنه ذهب، فبعد انصرافه وانصراف أهله، جاء المختار فدخل في طنب الخباء ونام، فجاءت الجارية الموكلة بالخباء، فطوته على المختار ولم تنتبه له. قال: فأقام هناك أياما في نومه ذلك. وقد سأل عنه شيخه فلم يعثر له على خبر. فلما رجع الرجل من سفره، شرعت الجارية في بناء الخباء، فما راعها إلا المختار، فانتبه مذعورا، وخرج في غاية الشحوب، فجاء إلى شيخه، فجعل يسقيه اللبن الممذوق بالماء، حتى قوى قليلا، فسأله عن أمره. فأخبره بما كان، وانتبه من نومه، يحفظ ما كان مكتوبا في ألواح التلاميذ الموجودين هناك، إلا إنه لم يفهم معناه. فعلم شيخه أن الله تعالى فتح عليه، فبنى له بناء منفردا، ومنعه من لقاء الناس، وجعل يحضر له الكتب ويتركه وإياها، ثم يتعهده ويسأله، فبعد مدة قليلة نبغ، فأبرزه شيخه للناس وقد تمكن، ثم أمره بالمسير إلى شيخ من أبناء ديمان، لم يحضرني الآن اسمه، لينظر في كتبه، فتوجه اليه، فنزل على تلاميذه، فأساءوا عشرته. فقال لهم: أني مقيم عندكم أياما قلائل ومنصرف، فعلام هذا الجفاء؟ ثم إنه اجتمع بذلك الشيخ، وجعل يستعير منه كتابا ثم يذهب إلى محل لا أنيس

<<  <   >  >>