للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيئا من اللبن، في قدح نظيف لا يشرب فيه غيره، فدخل عليها يوما على العادة، فلما أدنى اللبن من فمه، اقشعر جلده، فعلم إنه قد شرب منه أحد. فقال لأمه: أصدقيني من شرب من هذا اللبن. فقالت له: شرب منه شقيقك فلان، وهو مثلك، فقال لها: إني رأيته وهو صبي، عض صبيا من الحدادين بأسنانه، فامتنع من الشرب من ذاك الإناء بعد ذلك، ورآه نجس العين.

ومن نخوتهم، أن (الكفيه) المشهور، وقد أدركنا من يعرف شخصه، نزل ببكار بن اسويد أحمد، رئيس إدوعيش، فبنى له بيتا، وكان بكار يذهب إليه بنفسه، ويواكله

في محله، فأتاه ليلة مع من يحمل له شيئا من اللحم، فلما وضعه بين يديه امتنع من أكله، فسأله عن السبب. فقال: إني لست سبعا، فإن هذا الوقت لا يأكل اللحم فيه غير السباع. وخرجا يوما يتريضان على فرسين، فمرا بمنهل غاص بالناس، يسقون إبلهم فيه، فأتوهم باللبن، فشرب منه بكار أولا، وناوله، فامتنع من الشرب، فسأله عن السبب، فصرح له بأنه لا يشرب في المنهل، إلا أوباش الناس، فحقد عليه بكار، فكان هذا سببا في دس من يقتله بعد ذلك واشتهر الكفيه هذا، بالنظم المسمى عندهم بالغناء، ومنه قوله يعتبر بما فعل بهم مشظوف، وكانوا خولا لهم، فحاربوهم وغلبوهم، فقال:

أسْكِ عنْ تصريفْ القيُّومْ ... وَاسْكِ يَذاك التّصرُّوفْ

مشظوفْ أكبلْ ملْكِ واليُومْ ... عِدْتْ آنَ مالِكْن مشظوفْ

أسك عندهم: كلمة بمعنى التعجب، ويذاك: بمعنى يا ذلك، والتصروف: مصدر بمعنى التصرف، وأكبل: بمعنى قبل، وعدت: بمعنى صرت، وهي عربية، يعني انهم كانوا ملكه فانعكس الأمر. ومن نظمه أيضا:

مَحَدْ الدّنْييَ مايْلَ ... شَوْرَكْ واعْليهَ مايِلْ

اعْلمْ بعْدْ إنه زايْلَ ... وأنتَ واياهَ زايِلْ

محد: بمعنى ما دامت، وشورك: بمعنى إليك، أي ما دامت الدنيا تميل

<<  <   >  >>