للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ ترضوا فإنا قد رضينا ... وإلا فأطراف الرماح

مقومة وبيض مرهفات ... تبين جماجماً وبنانَ راح

فقال سيدهم: لتفعلُنّ كيت وكيت، أو لأطأنكم عما قليل بجحافل، لكنه مضى من ملتقى المحافل، والحال منه يضحك: وينشد قول القائل:

عقبي اليمينِ على عقبي الوغى ندمُ ... ماذا يزيدك في إقدامك القسمُ

وفي اليمين على ما أنتَ واعده ... ما دل أنك في الميعاد متّهم

وقلنا لهم: لما رأينا مقالهم، يوم التقى الجيشان كذب الفعل:

أبيتم قبول السلم منّا فكدتمُ ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السلِّ

فصاروا أضحوكة بين أهل السهل والجبال. فحرضتهم نساءهم إذ ذاك على القتال، فوجهوا إلينا في الشهر الحرام جيشا لهاما، وكان من مضى من أهل الملل كفرا وإسلاما، يرى القتال في الشهر الحرام حراما. فلم نبق منهم غاربا ولا سناما. فمن دعاه حب الحمد إلى القتال بقى منشورا، ومن دعاه حب التمر إلى الفرار فر مذعورا:

يفر من فر منهمْ للِعدى دهشا ... كأنهم في الموامى لم يروا سبلا

وضاقت الأرض حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

فلا تلم جيشكم من بعد هزمهم ... إذا رأيت رجالا منهم سلموا

عليك هزمهمُ في كل معترك ... وما عليك بهم عار إذا انهزموا

ولما أغرقهم اللعين، نكص على عقبيه، كما فعل بقريش في غابر الأزمان. فصاروا كأهل قرية كانت آمنة مطمئة؛ يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، وصاروا حسبنا الله ونعم الوكيل؛ عبرة يعتبر بها المعتبرون. وصاروا ألين من الماء بعد الصلابة، فمتُّول إلى كُنْتَ حينئذ بالقرابة فملكوهم حينئذ ملك الأمراء، بل

<<  <   >  >>