للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أردت أن أخرج إِلَى المسألة هتف بي هاتف يقول: الوجه الَّذِي يسجد لي تبذله لغيري؟

وفي هذا المعنى يقول بعضهم:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... بدلاً وإن نال الغنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال

فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً ... فابذله للمتكرم المفضال

ولهذا المعنى كان عقوبة من أكثر المسألة بغير حاجة أن يأتي يوم القيامة وليس عَلَى وجهه مزعة لحم، كما ثبت ذلك في "الصحيحين" (١) لأنّه أذهب عز وجهه وصيانته وماءه في الدُّنْيَا، فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه الحسي فيصير عظمًا بغير لحم ويذهب جماله وبهاؤه المعنوي، فلا يبقى له عند الله وجاهة.

ومنها أن في سؤال الله عبودية عظيمة؛ لأنها إظهار للافتقار إِلَيْهِ، واعتراف بقدرته عَلَى قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم؛ لأنّ المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه ودفع الضر عنها، فكيف يقدر عَلَى ذلك لغيره؟ وسؤاله إقامة له مقام من يقدر وليس هو بقادر.

ويشهد لهذا المعنى الحديث الَّذِي في "صحيح مسلم" (٢) عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

«يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي، إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا (غمس) (*) فِي الْبَحْرَ».

وفى الترمذي (٣) وغيره زيادة في هذا الحديث وهي:


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٤)، ومسلم (١٠٤٠).
(٢) برقم (٢٥٧٧).
(*) أدخل: "نسخة"، وهو الموافق لما في صحيح مسلم المطبوع.
(٣) (٢٤٩٥) وقال: هذا حديث حسن. وروى بعضهم هذا الحديث عن شهر بن حوشب عن معدي كرب عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.